وهم العباد والزهاد، وقوم أقامهم لحمل شريعته وتمهيد دينه وهم العلماء العاملون، وقوم أقامهم لحفظ كتابه رسماً وتلاوة وتفهماً وهم القرّاء والمفسرون، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ، وقوم أقامهم لتسكين الفتن ودفع المظالم والمحن وهم الحكام ومَن يستعان بهم في تلك الوجهة، وقوم أقامهم لحفظ نظام الحكمة وهم القائمون بالأسباب الشرعية على اختلاف أنواعها وتعدد فروعها، وقوم أعدهم لظهور حلمه وعفوه فيهم وهم أهل المعاصي والذنوب، وقوم أعدهم للانتقام وظهور اسمه القهار وهم أنواع الكفار.
فكل وجهة من هؤلاء توجهت لحق شرعي أقامتها القدرة فيه، وحَكم بها القضاء والقدر، إلا أن القسمين الأخيرين لا تقررهما الشريعة. فلو حسنت المقاصد لكان الكل عُمالاً لله، فيقال لهم: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
بتحسين المقاصد والنيات، وبادروا إلى الطاعات قبل هجوم هادم اللذات، أينما تكونوا يجمعكم للحساب، وتُعاينوا جزاء ما أسلفتم من عذاب أو ثواب، ومن حيث خرجت أيها العارف فولّ وجهتك وكليتك لمسجد الحضرة باستعمال الفكرة والنظرة، فإنها حق وما سواها باطل، كما قال الشاعر:
ألا كُلُّ شيء ما خلا الله باطل | وكل نعيم لا مَحَالَةَ زائلُ «١» |
يَا قِبْلَتِي في صَلاَتِي | إذَا وقَفْتُ أصَلِّي |
جَمَالُكم نُصْبَ عَيْنِي | إليهِ وَجَّهْتُ كُلِّي |
صدقت. فقال لبيد: (وكل نعيم لا محالة زائل). فقال عثمان: كذبت نعيم الجنة لا يزول..).
(٢) ابن الفارض.