سورة الواقعة
قال ابن عطية: رُوي عن رسول الله ﷺ أنه قال: " مَن دوام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر أبداً "، ودعا عثمانُ عبدَ الله بنَ مسعود إلى عطائه، فأبى أن يأخذ، فقيل له: خُذ للعيال، فقال: إنهم يقرؤون سورة الواقعة، وسمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: " مَن قرأها لم يفتقر أبداً " قال ابن عطية: فيها ذكر القيامة، وحظوظ الناس في الآخرة، وفَهْمُ ذلك غِنىً لا فقر معه، ومَن فهِمه شُغل بالاستعداد. هـ. وقال مسروق: مَن أراد أن يعلم نبأ الأولين، ونبأ أهل الجنة، ونبأ أهل النار، ونبأ الدنيا والآخرة؛ فليقرأ سورة الواقعة. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿إِذا وَقَعت الواقعةُ﴾ إذا قامت القيامة، وذلك عند النفخة الثانية، ووُصفت بالوقوع لأنها تقع لا محالة، فكأنها واقعة في نفسها، كأنه قيل: أذا وقعت التي لا بُدّ من وقوعها. ووقوع الأمر: نزوله، يقال: وقع ما كنت أتوقعه، وانتصاب ﴿إذا﴾ بمضمر يُنبئ عن الهول والفظاعة، كأنه قيل: أذا وقعت الواقعة يكون من الأهوال ما لا يَفي به المقال، أو: بالنفي المفهوم من قوله: ﴿ليس لِوقعتها كاذبةٌ﴾ أي: لا كذب وقت وقوعها، أو: باذكر، أو: بمضمون السورة قبلها، أي: يكون ما ذكر من نعِيم
كل واحد إلى ما سبق له من شقاوة وسعادة، ورزقٍ وأجل، أو: ما قَدَّر لكل حيوان ما يُصلحه، فهداه إليه، وعرَّفه وجه الانتفاع به، فترى الولد بمجرد خروجه من بطن أمه يلتمس غذاه، وكذا سائر الحيوانات، فسبحان المدبِّر الحكيم: ﴿الذي أخرج المرعى﴾ أي: أنبت ما ترعاه الدواب غضًّا طريًّا، ﴿فجعله﴾ بعد ذلك ﴿غُثاءً﴾ يابساً هشيماً ﴿أحوى﴾ ؛ أسود، فـ " أحوى " صفة لغُثاء، وقيل: حال من المرعى، أي: أخرجه أحوى من شدة الخضرة، فمضت مدة، فجعله غثاءً يابساً. وهذه الجمل الثلاث صفة للرب. ولمّا تغايرت الصفات وتباينت أتى لكل صفة بموصول. وعطف على كل صلة ما يترتب عليها.
﴿
سنُقرئك فلا تنسى﴾ أي: سنعلمك القرآن فلا تنساه، وهو بيان لهدايته تعالى الخاصة برسوله صلى الله عليه وسلم، إثر بيان هدايته العامة لكافة مخلوقاته، وهي هدايته ﷺ لتلقي الوحي، وحفظ القرآن الذي هو أهدى للعالمين، مع ضمانه له. والسين إمّا للتأكيد، وإمّا لأنَّ المراد إقراء ما أوحي إليه حنيئذٍ وما سيوحى إليه، فهو وعد كريم باستمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء، أي: سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسان جبريل عليه السلام، أو: سنجعلك قارئاً فلا تنسى أصلاً، من قوة الحفظ والإتقان مع أنك أُمِّي لا تدري ما الكتاب وما القراءة، ليكون ذلك آية أخرى لك، مع ما في تضاعيف ما تقرأ من الآيات البينات من حيث الإعجاز، ومن حيث الإخبار بالمغيبات. وقوله تعالى: ﴿إلاَّ ماشاء اللهُ﴾ : استثناء مفرغ من أعم المفاعيل، أي: فلا تنسى شيئاً من الأشياء إلاَّ ما شاء الله أن تنساه؛ بأن ننسخ تلاوته، وهذا إشارة من الله لنبيه أن يحفظ عليه الوحي، فلا يتفلت منه شيءٌ، إلاَّ ما شاء الله نسخه، فيذهب به عن حفظه، ويرفع حُكمه وتلاوته. قال الكواشي: إلاَّ ما شاء اللهُ أن ننسيكه على سبيل النسخ، أو تنساه ثم تذكره بعد. رُوي أنه ﷺ أسقط آية في الصلاة، فظنّ أُبي أنها نُسخت، فسأله، فقال: " نسيتها "، قال الشيخ السنوسي: والمحققون على منع النسيان لشيءٍ من الأقوال البلاغية قبل التبليغ، لإجماع السلف، وأما بعد التبليغ، فجائز؛ لأنه من الأعراض البشرية. هـ. وفي الحديث: " إنما أنا بشَرٌ، أنسى كما تَنْسَوْن، فإذا نسيتُ فذكِّروني " الحديث. فالسهو في حق الأنبياء جائز، لأنه من قهرية الربوبية، لتتميز به العبودية من الربوبية، فليس بنقصٍ في حقهم، بل كما، ليحصل التشريع والاقتداء. وقيل: " لا " ناهية، وإثبات الألف للفاصلة، كقوله: ﴿السَّبِيلاْ﴾ [الأحزاب: ٦٧] أي: لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه، إلاَّ ما شاء الله أن ينسيك
برفع تلاوته، وهو ضعيف.
﴿إِنه يعلم الجهرَ وما يخفى﴾ أي: يعلم ما ظهر وما بطن، التي من جملتها ما أوحى