فيها فاكهة، أي: تفنُّن في تحقيق المسائل، ونخل؛ تضلُّع من علم الحديث، ورُمان؛ تغلغل في التفسير، أو: فيهما فاكهة تحقيق علم المعاملة، ونخل تحقيق علم الاعتقادات المجازية، ورمان تمسك بعلم التصوُّف، الذي هو دواء القلوب، فيهن خيرات حسان في تلك الجنان أخلاق حسان، وهي ثمرة العلم النافع، حور مقصورات في الخيام، أي: تلك الأخلاق الطيبة مقصورة على قلوب أهل الصفا، لا تظهر إلا لهم، أو: في تلك الجنان الذي هي القلوب، علوم غريبة، لم تكشف لغيرهم، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان؛ لم يفك انغلاقها أحد قبلهم. وفي التسهيل: وإذا كانت العلوم مِنحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لكثير من المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين. هـ. متكئين على رَفرفٍ، أي: بساط فكرة الاعتبار، يستخرج بها جواهر العلوم، ووصفه بالخضرة لظهور أثر فكرهة الاعتبار بما تجليه من العلوم، وفي الحديث: " ساعة من العالِم يتفكر في علمهِ خَيرٌ مِنْ عبادة الجاهل ألف سنة " أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكذلك وصفه بالعبقرية والجَودة؛ لكماله في محله. ﴿تبارك اسم ربك﴾ أي: تعاظم قدره ﴿ذي الجلال والإكرام﴾ حيث مَنَّ بهذه النعم الجِسام على الفريقين، وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم.
سورة الأعلى
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿سَبّح اسمَ ربك﴾ أي: نزّه اسمه تعالى عن الإلحاد فيه، بالتأويلات الزائغة، وعن إطلاقه على غيره بوجهٍ يوجب الاشتراك في معناه، فلا يُسمى به صنم ولا وثن ولا شيء مما سواه تعالى، قال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ [مريم: ٦٥] فلا يُقال لغيره تعالى: رب وإله، وإذا كان أَمَر بتنزيه اللفظ فتنزيه الذات أحرى، أو: نزّه اسمه عن ذكره لا على وجه الإجلال والإعظام، أو: نزّه ذاته المقدَّسة عما لا يليق بها، فيكون " اسم " صلة. و " الأعلى " صفة لرب، وهو الأظهر. وعُلوه تعالى: قهريته واقتداره، أو: تعاليه عن سمة الحدوث وعن مدارك العقول، فلا يُحيط به وصف واصف أو علم عارف، لا علو مكان. أو صفة للاسم، وعلوه بعلو مسماه، وقيل: قل: سبحان ربي الأعلى. لمّا نزل: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) ﴾ [الواقعة: ٧٤] قال صلى الله عليه وسلم: " اجعلوه في ركوعكم " فلما نزل: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ قال: " اجعلوه في سجودكم " وكانوا يقولون في الركوع: لك ركعت، وفي السجود: لك سجدت، فجعلوا هذا مكانه.
﴿الذي خلق فسَوَّى﴾ أي: خلق كل شيء فسَوَّى خلقه، ولم يأتِ به متفاوتاً غير متلائم، ولكن على إحكام وإتقان، دلالةً على أنه صادر عن عالم حكيم، أو: سَوَّاه على ما يتأتى به كماله ويتيسّر به معاشه، ﴿والذي قَدَّر فهدى﴾ أي: قّدَّر الأشياء في أزله، فهدى


الصفحة التالية
Icon