فأُخرجوا مجرورين، كما في الاكتفاء. ﴿ويتناجون بالإِثم والعُدوان﴾ أي: بما هو إثم في نفسه وعدوان للمؤمنين، ﴿ومعصيتِ الرسول﴾ أي: وتواصٍ بمعصية الرسول. وذكره ﷺ بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهيْن إليه عليه السّلام لزيادة تشنُّعهم واستعظام معصيتهم، ﴿وإِذا جاؤوا حَيَّوكَ﴾ أي: سلَّموا عليك ﴿بما لم يُحَيِّك به اللهُ﴾ بما لا يُسلم عليك الله تعالى، فكانوا يقولون في تحيتهم: السام عليك يا محمد. والسام: الموت، والله تعالى يقول في سلامه على رسوله: ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٢٩] ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصفات: ١٨١]. ﴿ويقولون في أنفسِهم﴾ أي: فيما بينهم، أو في ضمائرهم، ﴿لولا يُعذبُنا اللهُ بما نقول﴾ هلاّ يُعذبنا الله بذلك، فلو كان نبيّاً لعاقبنا بالهلاك، قال تعالى: ﴿حَسْبُهم﴾ عذاباً ﴿جهنمُ يصلونها﴾ يدخلونها فيحترقون فيها، ﴿فبئس المصيرُ﴾ المرجع جهنم.
الإشارة: أَلَمْ ترَ إِلَى الذين نُهوا عن الوقوع في أهل الخصوصية، والتناجي بما يسؤوهم ثم يعودون لما نُهوا عنه، ويتناجون بالإثم والعدوان، وما فيه فساد البين وتشتيت القلوب، ومعصية الرسول بمخالفة سنته، وإذا جاؤوك أيها العارف، الخليفة للرسول، حيَّوك بما لم يُحيك به الله، أي: خاطبوك بما لم يأمر الله أن تُخاطَب به من التعظيم، ويقولون في أنفسهم، لولا يُعذبنا الله بن نفعل من تصغيرهم، حسبهم نار القطيعة والبُعد، مُخلّدون فيها، فبئس المصير.
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إِذا تناجيتم﴾ في أنديتكم وفي خلواتكم ﴿فلا تتناجَوا بالإِثم والعدوانِ ومعصيتِ الرسول﴾ كفعل هؤلاء المنافقين، ﴿وتناجَوا بالبِرِّ والتقوى﴾ أي: بما تضمن خير المؤمنين، والاتقاء عن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، أو: بأداء الفرائض وترك المعاصي، ﴿واتقوا اللهّ الذي إِليه تحشرون﴾ فيُجازيكم بما تتناجون به من خير أو شر، ﴿إِنما النجوى﴾ المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان، ﴿من الشيطان﴾ لا من غيره، فإنه المزيِّن لها والحامل عليها ﴿لِيَحْزُنَ﴾ بها ﴿الذين آمنوا﴾ بتوهيمه أنها في نكبةٍ أصابتهم، أو أصابت إخوانهم، او في الاشتغال بثلْمهم وتنقيصهم. ولهذا نهى الشارع أن يتناجى اثنان دون الثالث، لئلا يتوهم أنهم يتكلمون فهي. قال تعالى ﴿وليس بضارَّهم﴾ أن يتناجى اثنان دون الثالث، لئلا يتوهم أنهم يتكلمون فهي. قال تعالى ﴿وليس بضارِّهم﴾ أي: وليس الشيطان أو الحزن بضارهم ﴿شيئاً﴾ من الأشياء، أو شيئاً من الضرر ﴿إِلاّ بإِذن الله﴾ بمشيئته، ﴿وعلى الله فلتوكل المؤمنون﴾ فلا تُبالوا بنجواهم، فإنَّ الله تعالى يعصمهم
سورة العاديات
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿والعادياتِ ضَبْحاً﴾، أقسم تعالى بخيل الغزاة تعدو فتضبَح، والضبح: صوت أنفاسها إذا عَدَون، وحكى صوتها ابنُ عباس، فقال: أحْ، أحْ. وانتصاب " ضبحاً " على المصدر، أي: يضبحن ضبحاً، أو: بالعاديات، فإنَّ العَدْو يستلزم الضبح، كأنه قيل: والضابحات ضبحاً، أو: حال، أي: ضابحات. ﴿فالمُورِيات قَدْحاً﴾، الإيراء: إخراج النار، والقدح: الصكّ، يقال: قدح فأوْرى، أي: فالتي تُوري النارَ من حوافرها عند العَدْو. وانتصاب " قدحاً " كانتصاب ضبحاً. ﴿فالمُغيراتِ﴾ التي تغير على العدوّ، ﴿صُبْحاً﴾ أي: وقت الصبح، وهو المعتاد في الغارات، يعدون ليلاً لئلا يشعر بهم العدو، ويهجمون عليهم صباحاً ليروا ما يأتون وما يذرون. وإسناد الإغارة ـ التي هي متابعة العدو، والنهب والقتل والأسر ـ إلى الخيل، وهي حال الراكب عليها، إيذاناً بأنها العمدة في إغارتهم.
وقوله تعالى: ﴿فأثَرْنَ به نَقْعاً﴾ أي: غباراً، عطف على الفعل الذي دلّ عليه اسم الفاعل، إذا المعنى: واللاتي عدون فأَوْرَين فأغرن فأثرن، أي: هيّجن به غباراً، وتخصيص إثارته بالصُبح لأنه لا تظهر إثارته بالليل، كما أنَّ الإيراء الذي لا يظهر بالنهار واقع بالليل. والحاصل: أنّ العَدْو كان بالليل وبه يظهر أثر القدح من الحوافر، ولا يظهر النقع إلاّ في الصبح. ﴿فَوسَطْنَ به﴾ أي: فوسطن بذلك الوقت ﴿جَمْعاً﴾ من جموع الأعداء، والفاء


الصفحة التالية
Icon