فقدّرتَ على حسب حالك. وفي رواية: " شعيرة من ذهب "، فقال: إنك لزهيد "، أي: مُصعِّر مقلِّل للدنيا. قاله في القوت.
﴿ذلك﴾ التقديم للصدقة ﴿خير لكم﴾ في دينكم ﴿وأطهرُ﴾ لنفوسكم من رذيلة البُخل، ولأنَّ الصدقة طُهرة. ﴿فإِن لم تجدوا﴾ ما تتصدقون به ﴿فإِنَّ الله غفور رحيم﴾ في ترخيص المناجاة من غير صدقة. قيل: كان ذلك عشر ليال، ثم نُسِخَ، وقيل: ما كان إلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ. وعن عليّ - كرّم الله وجهه - أنه قال: سألتُ رسولَ الله ﷺ عن عشر مسائل، فأجابني عنها، ثم نزل نسخ الصدقة، قلت: يا رسول الله؛ ما الوفاء؟ قال: " التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله " قلت: وما الفساد؟ قال: " الكفر والشرك بالله " قلت: وما الحق؟ قال: " الإسلام، والقرآن والولاية إذا انتهات إليك " قلت: وما الحيلة؟ قال: " ترك الحيلة "، قلت: وما عَلَيَّ؟ قال: " طاعة الله وطاعة رسوله "، قلت: وكيف أدعو الله تعالى؟ قال: " بالصدق واليقين " قلت: وماذا سأل الله؟ قال: " العافية " قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: " كلْ حلالاً، وقل صدقاً " قلت: وما السرور؟ قال: " الجنة " قلت: وما الراحة؟ قال: " لقاء الله " فلما فرغت منها نزل نسخ الصدقة.
﴿
أأشفقتم أن تُقَدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقاتٍ﴾ أي: أَخِفْتُم الفقرَ مِن تقديم الصدقات، أو: أَخِفْتُم من هذا الأمر لِما فيه من الإنفاق الذي تكرهه النفوس، ﴿فإِذ لم تفعلوا﴾ ما أُمرتم به وشقّ عليكم، ﴿وتاب اللهُ عليكم﴾ أي: خفّف عنكم، وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة، كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه، ﴿فأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة﴾ أي: فإذا فرَّطتم فيما أُمرتم به من تقديم الصدقات، فتداركوه بالمثابرة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ﴿وأطيعوا اللهَ ورسولَه﴾ في سائر الأوامر، فإنَّ القيام بها كالجابر لِما وقع في ذلك من التفريط، ﴿واللهُ خبير بما تعملون﴾ ظاهراً وباطناً، وهو وعدٌ ووعيد.
الإشارة: إذا أردتم مناجاة المشايخ في زيارتكم، فقدِّموا بين يدي نجواكم صدقة، تُدفع للشيخ، أو لأهل داره، فإنها مفتاح لفيض المواهب، مثالها كالدلو، لا يمكن رفع الماء إلاَّ به، ذلك خير لكم، وأطهر لقلوبكم من رذيلة من البخل، فإن لم تجدوا شيئاً فإن الله غفور رحيم. أأشفقتم أن تُقدِّموا بين يدي نجواكم صدقات؛ لِثَقَلِ ذلك على النفس؟ فإذ لم تفعلوا وزُرتم بلا صدقة، وقد تاب الله عليكم من هذا التفريط، فأقيموا صلاة القلوب، وهو التعظيم، ودوام العكوف في حضرة علاّم الغيوب، وآتوا زكاة أبدانكم، بإجهادها في خدمة المشايخ والإخوان، وأطيعوا الله ورسوله وخلفاءه فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه، ﴿والله خبير بما تعملون﴾.
سورة التكاثر
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿ألهاكم التكاثُر﴾ أي: شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها. رُوي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا، وتعادُّوا بالسادة والأشراف، فقال كُلُّ فريق منهم: نحن أكثر منكم سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، فكثرهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم: إنَّ البغي في الجاهلية أهلكنا، فعادّونا بالأحياء والأموات، ففعلوا، وقالوا: قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم. والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء ﴿حتى زُرتم المقابر﴾ أي: إذا استوعبتم عددكم صرتم إلى الأموات، فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكُّماً بهم. وقيل: كانوا يزورون القبور، ويقولون هذا قبر فلان، يفتخرون بذلك، وقيل: المعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، حتى متُّم وقُبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا، معرضين عما يمهمكم من السعي للآخرة، فيكون زيارة القبور عبارة عن الموت.
قال عبد الله بن الشخِّير: قرأ النبي ﷺ ﴿ألهاكم التكاثر﴾ فقال: " يقول ابن آدم: ما لي، وليس له من ماله إلا ثلاث، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تَصَدَّق فأبقى " وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. واللام في (التكاثر) للعهد الذهني، وهو التكاثر بما يشغل عن الله، فلا يشمل التكاثر في العلوم والمعارف والطاعات والأخلاق، فإنَّ ذلك مطلوب؛ لأنَّ بذلك تُنال السعادة في الدارين، وقرينة ذلك قوله تعالى: ﴿ألهاكم﴾ فإنه