سورة الهمزة
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿ويلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُمزةٍ﴾، " ويل ": مبتدأ، و " لكل ": خبره، والمُسوِّغ: الدعاء عليهم بالهلاك، أو بشدة الشر، والهَمْز: الكسر، واللمز: الطعن، أي: ويل للذي يحط الناس ويُصغِّرهم، ويشتغل بالطعن فيهم. قال ابن جزي: هو على الجملة: الذي يعيب الناسَ ويأكل أعراضَهم، واشتقاقه من الهمز واللمز، وصيغة فعْلَة للمبالغة، واختلف في الفرق بين الكلمتين، فقيل: الهمز في الحضور، واللمز في الغيبة، وقيل العكس، وقيل: الهمز باليد، واللمز باللسان. وقيل: هما سواء. ونزلت السورة في الأخنَسْ بن شريق، لأنه كان كثير الوقيعة في الناس، وقيل: في آميّة بن خلف، وقيل: في الوليد بن المغيرة. ولفظها مع ذلك يعم كل مَن اتصف بهذه الصفة. هـ. وبناء " فُعَلة " يدل أن ذلك عادة منه مستمرة.
وقوله: ﴿الذي جَمَعَ مالاً﴾ : بدل من " كل "، أو: نصب على الذم، وقرأ حمزة والشامي والكسائي " جَمَّعَ " بالتشديد للتكثير، وهو الموافق لقوله: ﴿عدَّده﴾ أي: جعله عُدَّةً لحوادث الدهر، ﴿يَحْسَبُ أنَّ مالَه أخلده﴾ أي: يتركه خالداً في الدنيا لا يموت، وهو تعريض بالعمل الصالح، فإنه أخلد صاحبه في النعيم المقيم، فأمَّا المال فما أخلد أحداً، إنما يخلد العلم والعمل، ومنه قول علِيّ كرّم الله وجه: (مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر) فالحسبان إمّا حسبان الخلود في الدنيا أو في الآخرة، كما قال القائل: ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىا رَبِّي... ﴾ [الكهف: ٣٦] الآية.
﴿كلاَّ﴾ ردع له عن حسبانه. ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ ليطرحن ﴿في الحُطَمَة﴾ في النار التي من