سورة الماعون
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿أرأيت الذي يُكذِّبُ بالدين﴾ استفهام أُريد به تشويق السامع إلى معرفة مَن سبق له الكلام والتعجب منه، والخطاب للرسول ﷺ أو لكل سامع. والرؤية بمعنى المعرفة، والفاء في قوله: ﴿فذلك الذي يَدُعْ اليتيمَ﴾ : جواب شرط محذوف، والمعنى: هل عرفتَ هذا الذي يُكذِّب بالجزاء أو بالإسلام، فإنْ أردت أن تعرفه فهو الذي يَدُعُّ، أي: يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً، ويزجره زجراً قبيحاً، قيل: هو أبو جهل، كان وصيًّا ليتيم، فأتاه عُرياناً يسأله مِن مال نفسه فدفعه دفعاً شديداً، وقيل: هو الوليد بن المغيرة، وقيل: العاص بن وائل. وقيل: أبو سفيان، نحر جزوراً فسأله يتيمٌ لحماً فقرعه بعصاه، وقيل: على عمومه. وقُرىء: " يَدَع " أي: يتركه ويجفوه. ﴿ولا يَحُضُّ﴾ أهلَه وغيرهم من الموسرين ﴿على طعام المسكين﴾ فأَولى هو لا يُطعمه، جعل علامة التكذيب بالجزاء: منع المعروف، والإقدام على أذى الضعيف؛ إذ لو آمن بالجزاء، وأيقن بالوعيد، لخشي عقاب الله وغضبه.
﴿فويل للمُصَلِّين الذي هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ غير مبالين بها، ﴿الذين هم يُراؤون﴾ الناس بأعمالهم، ليُمدحوا عليها، ﴿ويمنعونَ الماعونَ﴾ أي: الزكاة. نزلت في المنافقين؛ لأنهم كانوا يسهون عن فعل الصلاة، أي: لا يُبالون بها، لأنهم لا يعتقدون وجوبها.
قال الكواشي عن بعضهم: ليس المراد السهو الواقع في الصلاة، الذي لا يكاد يخلو منه مسلم، فإنَّ رسولَ الله ﷺ كان يسهو، ويُعضد هذا ما رُوي عن أنس أنه قال: الحمدُ لله الذي لم يقل " في صلاتهم " لأنهم لمّا قال: " عن صلاتهم " كان المعنى: أنهم


الصفحة التالية
Icon