سورة الكافرون
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ المخاطَبون كفرة مخصوصون، عَلِمَ الله أنهم لا يُؤمنون. رُوي أنَّ رهطاً من صناديد قريش قالوا: يا محمد هلم تتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان دينك خيراً شَرَكْناك فيه، وإن كان ديننا خيراً شركتنا في أمرنا، فقال: " معاذ الله أن نُشرك بالله غيره " فنزلت، فغدا إلى المسجد الحرام، وفيه الملأ من قريش، فقرأها عليهم، فأيسوا.
أي: قل لهم: ﴿لاَ أعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ فيما يُستقبل؛ لأنَّ " لا " إذا دخلت على المضارع خلصته للاستقبال، أي: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبدُ﴾ أي: ولا أنتم فاعلون في الحال ما أطلب منكم من عبادة إلهي، ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ أي: وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه، ولم يعهد مني عبادة صنم، فكيف يرجى مني في الإسلام؟ ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبدُ﴾ أي: وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته. وقيل: إنَّ هاتين الجملتين لنفي العبادة حالاً، كما أنَّ الأوليين لنفيها استقبالاً. وإيثار " ما " في (ما أعبد) على " من "؛ لأنَّ المراد هو الوصف، كأنه قيل: ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يُقادر قدر عظمته. وقيل " ما " مصدرية، أي: لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي، وقيل: الأوليان بمعنى " الذي "، والأخريان مصدريتان.
وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ دينكُم وليَ دِينِ﴾ تقرير لِما تقدّم، والمعنى: إنَّ دينكم الفاسد، الذي هو الإشراك، مقصور عليكم، لا يتجاوزه إلى الحصول ليّ، كما تطمعون فيه، فلا