سُورَةُ الجَاثِيَةِ
قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
وجاء من مراسيلِ الحسنِ عن النبيِّ - ﷺ -:
"مَنْ قالَ: لا إله إلا اللَّه مخلصًا دخلَ الجنَّة" قيلَ: وما إخلاصُها؟
قال: "أن تحجُزَك عمَّا حرَّم اللَّهُ "
ورُوي ذلك مسندًا من وجوهٍ أُخرَ ضعيفة.
ولعلَّ الحسنَ أشارَ بكلامِه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا، فإنَّ تحقيقَ
القلبِ بمعنى: "لا إله إلا اللًّه " وصدقَه فيها وإخلاصَهُ بها يقتضي أن يرسخَ
فيه تألُّه اللَّه وحدَهُ، إجلالاً، وهيبةً، ومخافةً، ومحبَّةً، ورجاءً، وتعظيمًا.
وتوكُلاً، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقينَ، ومتى كانَ
كذلك لم يبقى فيه محبَّةٌ ولا إرادةٌ، ولا طلبٌ لغيرِ ما يُريدُهُ اللَّهُ ويحبُّه
ويطلبُه، وينتفي بذلك من القلبِ جميعُ أهواءِ النفوسِ وإرادتها ووساوسُ
الشيطان، فمَنْ أحبَّ شيئًا وأطاعَهُ، وأحبَّ عليه وأبغضَ عليه، فهو إلهُهُ.
فمن كان لا يحبُّ ولا يُبغضُ إلا للَّه، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له، فاللَّه
إلهُهُ حقًّا، ومن أحبَّ لهواه، وأبغضَ له ووالَى عليه، وعادَى عليه، فإلهه
هواه، كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).
وقال الحسنُ: هو الذي لا يَهوى شيئًا إلا ركبَهُ.
وقال قتادةُ: هو الذي كلما هَوِيَ شيئًا ركبَهُ، وكلَّما اشتهى شيئًا أتاه.
لا يَحجزُهُ عن ذلك ورعٌ ولا تقوى.
ويُروى من حديث أبي أمامةَ مرفوعًا:
"ما تحت ظلّ السماء إلهٌ يُعبد أعظمَ عندَ اللهِ من هوىً متَّبع ".