وفي كل يوم من أيام المسلمين تظهر دراسات وبحوث في القرآن وعلوم القرآن، حتى لقد اجتمع من ذلك ما لا يحصى عدا.
ولقد كان نصيب "الإعجاز" في مباحث القرآن نصيبا موفورا، وقد أفرده بعضهم بدراسة خاصة، كما فعل عبد القاهر الجرجاني والرماني والخطابي والباقلاني | إلا أن أكثر مباحث الإعجاز هي التي كانت تجيء ضمن مباحث التفسير أو القراءات… فمعظم الذين فسروا القرآن حاولوا أن يجعلوا في صدور تفاسيرهم إشارات تتضمن آراءهم في فضل القرآن وفي إعجازه. |
وقد آن لنا أن نلتقي بعد هذا مع بعض هؤلاء العلماء والمفسرين، الذين يتسع المجال للقائهم والتحدث إليهم.
الجاحظ ورأيه في الإعجاز
...
١- الجاحظ
رأيه في الإعجاز
في رسالة للجاحظ بعنوان "حجج النبوة"١ يتحدث الجاحظ عن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها قائمة في القرآن الكريم، الذي هو معجزته الكبرى… الخالدة، ويقيم الدليل على هذا بما عرف من تحدي القرآن للعرب، وعدولهم عن لقاء هذا التحدي، والنزول في ميدان القول... فهربوا من هذا الميدان… وأوقدوا نار الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم… فقتلوا وقتلوا…ولو كان في مستطاعهم أن يصمدوا لهذا التحدي لما فروا هذا الفرار المشين، ولما رضوا أن يعرضوا أنفسهم للموت، وخاصة بعد أن ظهر عليهم النبي ﷺ في هذا الميدان أيضا، وقتل كثير من فرسانهم ومشيختهم.
يقول الجاحظ:
"إن محمدا عليه الصلاة والسلام مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر من العين... وذلك قوله لقريش خاصة، وللعرب عامة -مع ما فيها من الشعراء والخطباء والبلغاء- والدهاة، والحلماء، وأصحاب الرأي والمكيدة، والتجارب، والنظر في العاقبة: "إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، وصدقتم في تكذيبي"٢.
ثم يتحدث عن معجزة النبي "محمد صلى الله عليه وسلم" فيقول:
"وكذلك دهر "محمد" صلى الله عليه وسلم، كان أغلب الأمور عليهم وأحسنها عندهم وأجلها في صدورهم حسن البيان ونظم ضروب الكلام، مع علمهم له، وانفرادهم به، فحين استحكمت لغتهم، وشاعت البلاغة فيهم، وكثر شعراؤهم، وفاق الناس خطباؤهم، بعثه الله عز وجل فتحداهم بما كانوا لا
١ ضمن مجموعة رسائل الجاحظ... نشرها السندوبي.
٢ لم يحفظ التاريخ للجاحظ رسالة في إعجاز القرآن، وهذا يعد أمر غريبا، ولكن يبدو أن البلى والإهمال عصفا بهذه الرسالة وأمثالها.
٢ لم يحفظ التاريخ للجاحظ رسالة في إعجاز القرآن، وهذا يعد أمر غريبا، ولكن يبدو أن البلى والإهمال عصفا بهذه الرسالة وأمثالها.