المبحث الثالث: عناية المسلمين بالبلاغة خدمةً للقرآن الكريم
علم البلاغة غصن باسق من دوحة علوم العربية، وقد لقي هذا العلم من عناية السلف وجهودهم ما جعله عِلْماً قائماً برأسه؛ ليخدم بيان الوحي المعجز، وتفوُّقه على الأساليب البيانية الأخرى.
ويشير واقع العرب في أوائل عصر نزول القرآن الكريم إلى أن السليقة التي نشؤوا عليها في التذوق الفطري الأصيل وَفَّرَتْ عليهم تحليل مقومات روعة الكتاب العزيز، ثم إنهم لم تكن لديهم الوسائل التي تكفي بلوغ هذا التحليل، على نحو ما تيسَّر للأجيال التالية (١).
ومع مرور الأيام برزت عوامل جديدة أدَّت إلى إضعاف أثر السليقة في التعامل مع النصوص الأدبية؛ فقد اختلط العرب الفصحاء بغيرهم، ووصلَتْ دعوة الإسلام إلى أقوام مختلفين، كما أثيرت شكوك ومطاعن في بلاغة القرآن وإعجازه، ممَّا جعل الكثيرين لا يكتفون بهذا التفوُّق الذي تُحِسُّه نفوسهم إزاء البيان القرآني، فمضَوا يحاولون استنباط ما يستطيعون استنباطه من وجوه البلاغة فيه، وأصبحت دراستُهم تقوم على الدليل العقلي والحجة وتسويغ مواطن الجمال التعبيري (٢).
ويُعَدُّ القرآن الكريم هو العامل الرئيس الذي ساعد على الشروع في

(١) انظر: التفكير البلاغي عند العرب ٣٥، الموجز في تاريخ البلاغة ٣٣.
(٢) انظر: التفكير البلاغي عند العرب ٣٦، البيان العربي للدكتور بدوي طبانة ٤٣.


الصفحة التالية
Icon