نزول الكتب السماوية الأخرى:
الصحيح المشهور بين العلماء أن الكتب السماوية غير القرآن نزلت جملة واحدة ولم تنزل متفرقة، ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان، وهي قوله تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ (الفرقان: ٣٢).
فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية غير القرآنية نزلت جملة واحدة كما على ذلك جمهور العلماء.
ووجه الدلالة أن الله لم يكذبهم في دعواهم أن الكتب السماوية نزلت جملة واحدة، فلو كان نزول الكتب السماوية مفرقا لما كان هناك ما يدعو الكفار إلى التعجب من نزول القرآن مفرقاً منجما، لأن معنى قوله ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ هلاّ أنزل عليه القرآن دفعة واحدة كسائر الكتب، وما له أنزل على التنجيم ولم ينزل مفرقا، بل بيَّن لهم الحكمة من نزول القرآن منجما، ولو كانت الكتب السماوية نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول لهم إن التنجيم سنة الله في الكتب التي أنزلت على الرسل كما أجاب بمثل ذلك في قولهم ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ (الفرقان: ٧). قال في الرد عليهم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ (الفرقان: ٢٠). فبيّن لهم أن ذلك سنن المرسلين والأنبياء١.