المقدمة
الحمد لله المنان، الذي أكرمنا بالقرآن، فأنزله على عبده المصطفى ولم يجعل له عِوجاً نزله فرقاناً وتبياناً لكل شيء فقد قال في محكم التنزيل ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ (الفرقان: ١) وقال: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: ٤٤)، والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى بالقرآن رحمةً للعالمين، فأخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان واليقين، فعَلَّم القرآن، وبَلَّغَ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله عليه وعلى أصحابه الكرام الذين لازموه واستفادوا من مدرسته فاعتنوا به كعناية النبي ﷺ له، وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله امتن على نبيه ﷺ بأن أنزل عليه هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد وفيه نبأ ما كان قبلَكم، وخبر ما بعدكم، وحُكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخْلَق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سَمِعَته حتى قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قرآناً عجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ (الجن: ١-٢)، من قال


الصفحة التالية
Icon