يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣)، فِي الدُّنْيَا يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مع يساره.
كَلَّا، رد عَلَيْهِ أَنْ لَا يُخَلِّدَهُ مَالُهُ، لَيُنْبَذَنَّ، لَيُطْرَحَنَّ، فِي الْحُطَمَةِ، فِي جَهَنَّمَ وَالْحَطْمَةُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى سُمِّيَتْ حُطَمَةَ لِأَنَّهَا تَحْطِمُ الْعِظَامَ وَتَكْسِرُهَا.
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)، أَيِ الَّتِي يَبْلُغُ أَلَمُهَا وَوَجَعُهَا إلى القلوب، والاطلاع والبلوغ التطلع بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ مَتَى طَلَعْتَ أَرْضَنَا أَيْ بَلَغْتَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهَا تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى فُؤَادِهِ، قَالَهُ الْقُرَظِيُّ وَالْكَلْبِيُّ.
إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨)، مُطْبَقَةٌ مُغْلَقَةٌ.
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي عَمَدٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [الرَّعْدِ: ٢]، وَهْمًا جَمِيعًا جَمْعُ عَمُودٍ مِثْلُ أَدِيمٍ وَأَدَمٍ وَأُدُمٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَمْعُ عِمَادٍ مِثْلُ إِهَابٍ وَأَهَبٍ وَأُهُبٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَدْخَلَهُمْ فِي عَمَدٍ فَمُدَّتْ عَلَيْهِمْ بعماد، وفي أعناقهم السلاسل سدت عليهم بها الأبواب، وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّهَا عُمُدٌ يُعَذَّبُونَ بِهَا فِي النَّارِ.
وَقِيلَ: هِيَ أَوْتَادُ الْأَطْبَاقِ الَّتِي تُطْبِقُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، أَيْ أَنَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَيْهِمْ بِأَوْتَادٍ مُمَدَّدَةٍ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «بِعُمُدٍ» بِالْبَاءِ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: أَطْبَقَتِ الْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ سُدَّتْ بِأَوْتَادٍ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ غَمُّهَا وَحَرُّهَا فَلَا يُفْتَحُ عَلَيْهِمْ بَابٌ وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ ريح، وَالْمُمَدَّدَةُ مِنْ صِفَةِ الْعَمَدِ، أَيْ مُطَوَّلَةٍ فَتَكُونُ أَرْسَخُ مِنَ الْقَصِيرَةِ.
سورة الفيل
مكية [وهي خمس آيات] [١]
[سورة الفيل (١٠٥) : آيَةً ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) ؟
«٢٤٠٠» وَكَانَتْ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْفِيلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بن
٢٤٠٠- انظر قصة أصحاب الفيل في «دلائل النبوة» للبيهقي ١/ ٨٥ و «السيرة النبوية» لابن هشام ١/ ٤٣ و «تفسير السمرقندي» ٣/ ٥١٢- ٥١٥ و «تفسير ابن كثير» ٤/ ٥٨٧- ٥٩١.
(١) زيد في المطبوع.


الصفحة التالية
Icon