تقديم الكتاب
الحمد لله الذى أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً..
والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، الذى أرسله ربه شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
وبعد...
فقد مَرَّ على الإنسانية حين من الدهر وهى تتخبط فى مَهْمَهٍ من الضلال متسع الأرجاء، وتسير فى غمرة من الأوهام، ومضطرب فسيح من فوضى الأخلاق وتنازع الأهواء، ثم أراد الله لهذه الإنسانية المعذَّبة أن ترقى بروح من أمره وتسعد بوحى السماء، فأرسل إليها على حين فترة من الرسل رسولاً صنعه الله على عينه، واختاره أميناً على وحيه، فطلع عليه بنوره وهَدْيه، كما يطلع البدر على المسافر البادى بعد أن افتقده فى الليلة الظلماء.
ذلك هو محمد بن عبد الله - عليه صلاة الله وسلامه - نبى الرحمة، ومبدد الظلمة، وكاشف الغمة.
أرسله الله إلى هذه الإنسانية الشقية المعذَّبة، ليزيل شقوتها، ويضع عنها إصرها والأغلال التى فى أعناقها، وأنزل عليه كتاباً - يهدى به الله مَن اتبع رضوانه سبل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم - وجعل له منه معجزة باهرة، شاهدة على صدق دعوته. مؤيِّدة لحقيَّة رسالته، فكان القرآن هو الهداية والحُجَّة، هداية الخلق وحُجَّة الرسول.
لم يكد هذا القرآن الكريم يقرع آذان القوم حتى وصل إلى قلوبهم، وتملَّك عليهم حسهم ومشاعرهم، ولم يُعرِض عنه إلا نفر قليل، إذ كانت على القلوب منهم أقفالها، ثم لم يلبث أن دخل الناس فى دين الله أفواجاً، ورفع الإسلام رايته خفَّاقة فوق ربوع الكفر، وأقام المسلمون صرح الحق مشيداً على أنقاض الباطل.
سعد المسلمون بهذا الكتاب الكريم، الذى جعل الله فيه الهدى والنور، ومنه طب الإنسانية وشفاء ما فى الصدور، وأيقنوا بصدق الله حيث يصف القرآن فيقول: ﴿إِنَّ هاذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.. [الإسراء: ٩] وبصدق الرسول حيث يصف القرآن


الصفحة التالية
Icon