ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى
حقيقته
التفسير الفيضى أو الإشارى.. هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظاهر المرادة.
* *
الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى
وعلى هذا فالفرق بين التفسير الصوفى الإشارى والتفسير الصوفى النظرى من وجهين.
أولاً: أن التفسير الصوفى النظرى، ينبنى على مقدمات علمية تنقدح فى ذهن الصوفى أولاً، ثم يُنزل القرآن عليها بعد ذلك.
أما التفسير الإشارى.. فلا يرتكز على مقدمات علمية، بل يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفى نفسه حتى يصل إلى درجة تنكشف له فيها من سجف العبارات هذه الإشارات القدسية، وتنهل على قلبه من سُحُب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف السبحانية.
ثانياً: أن التفسير الصوفى النظرى، يرى صاحبه أنه كل ما تحتمله الآية من المعانى، وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تُحمل الآية عليه.. ، هذا بحسب طاقته طبعاً.
أما التفسير الإشارى.. فلا يرى الصوفى أنه كل ما يُراد من الآية، بل يرى أن هناك معنى آخر تحتمله الآية ويُراد منها أولاً وقبل كل شىء، وذلك هو المعنى الظاهر الذى ينساق إليه الذهن قبل غيره.
* *
هل للتفسير الإشارى أصل شرعى؟
ربما يجول القارئ الكريم هذا السؤال وهو: هل للتفسير الإشارى أصل شرعى يقوم عليه. أو هو أمر جَدَّ بعد ظهور المتصوفة وذيوع طريقتهم؟ وللجواب عن هذا السؤال نقول:
لم يكن التفسير الإشارى بالأمر الجديد فى إبراز معانى القرآن الكريم، بل هو أمر معروف من لدن نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أشار إليه القرآن، ونبَّه عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وعرفه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وقالوا به.
أما إشارة القرآن إليه، ففى قوله تعالى فى الآية [٧٨] من سورة النساء: ﴿فَمَالِ هاؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾، وقوله فى الآية [٨٢] منها أيضاً: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾، وقوله فى الآية [٢٤] من سورة محمد عليه السلام: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾