فصل فإن (١) قال قائل: قد يجوز أن يكون أهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم
قد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن، وإن كان من بعدهم من أهل الإعصار لم يعجزوا.
قيل: هذا سؤال معروف، وقد أجيب عنه بوجوه، منها ما هو صواب، ومنها ما فيه (٢) خلل: لأن من كان يجيب عنه: بأنهم (٣) لا يقدرون على معارضته في الأخبار عن الغيوب إن قدروا على مثل نظمه - فقد سلم المسألة، لأنا ذكرنا أن نظمه معجز لا يقدر عليه، فإذا أجاب بما قدمناه فقد وافق السائل على مراده.
والوجه أن يقال: فيه طرق: منها: أنا إذا علمنا أن أهل ذلك العصر كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله، فمن بعدهم أعجز، لأن فصاحة أولئك في وجوه ما كانوا يتفننون (٤) فيه من القول، مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم، / وأحسن (٥) أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم، فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم، فلا.
ومنها: أنا قد علمنا عجز سائر أهل الإعصار كعلمنا بعجز أهل العصر الأول، والطريق في العلم بكل واحد من الأمرين طريق واحد، لأن التحدي في الكل على جهة واحدة، والتنافس (٦) في الطباع على حد [واحد] (٧)، والتكليف (٨) على منهاج لا يختلف.
ولذلك قال الله تبارك وتعالى: (قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (٩).

(١) ا: " إن " (٢) م: " ما هو " (٣) م: " لانهم " (٤) م: " يتقنون " (٥) م: " من بعدهم، فإذا أحسن "
(٦) س: " والتنافر " (٧) الزيادة من م (٨) كذا في ا، م، ب وفى س، ك " والتكلف " (٩) سورة الاسراء: ٨٨ (*)


الصفحة التالية
Icon