سُورَةُ الْمَائِدَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْسُوخٌ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: «لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ»
وقُرِئَ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ، قَالَ: " حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: أَمَا إِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَلَالًا فَاسْتَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ " -[٣٥٨]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي هَذَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَرَأَ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] فَقَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا فِي يَوْمٍ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ «كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدَانِ نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَاتٍ يَعْنِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَمَّا الْبَرَاءُ فَإِنَّهُ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وَهَذَا لَيْسَ بِمُتَنَاقِضٍ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ لَاحْتَجْنَا إِلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّ فِيهَا نَاسِخًا وَهَذَا الْكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرُوا فِيهَا آيَاتٍ مَنْسُوخَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ مَنْسُوخَةٌ