سُورَةُ الْحَجِّ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَمُوتٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " وَسُورَةُ الْحَجِّ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ وَثَلَاثَةٌ كَافِرُونَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَعَاهُمْ لِلْبَرَازِ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَ آيَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ وَهُنَّ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج: ١٩] إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَجَدْنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ تَصْلُحُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْهُنَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ -[٥٦٢]-[الحج: ٢٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ ذَبْحُ الضَّحَايَا نَاسِخٌ لِكُلِّ ذَبْحٍ كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي إِمْلَائِهِ كَانَتِ الْعَقِيقَةُ تُفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ فُعِلَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِذِبْحِ الضَّحِيَّةِ فَمَنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَسَخَ ذَبْحُ الضَّحِيَّةِ كُلَّ مَا قَبْلَهُ -[٥٦٣]-، وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي هَذَا وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ فِي الْعَقِيقَةِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] نَاسِخٌ لِفِعْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ لَحُومَ الضَّحِيَّةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا شَيْئًا فَنُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَحَّى فَلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ نَدْبٌ لَا إِيجَابٌ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْأَكْلَ مِنْهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ أَوَّلُ مِنَ الْكَبِدِ»، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمُ الثُّلُثَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ الثُّلُثَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِادِّخَارِ مِنْهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَدَّخِرُ مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدَّخِرُ إِلَى أَيِّ وَقْتٍ أَحَبَّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ كَانَتْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا يَدَّخِرُ -[٥٦٤]- فَمِمَّنْ قَالَ لَا يَدَّخِرُ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ