بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ إِبْرَاهِيمَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ الْآيَةَ.
يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهِ مَوْتُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ، وَقَوْلُهُ: وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [١٤ ١٧]، يُصَرِّحُ بِنَفْيِ ذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ أَيْ أَسْبَابُهُ الْمُقْتَضِيَةُ لَهُ عَادَةً، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ رُوحَهُ فِي بَدَنِهِ مَعَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي مَوْتَهُ عَادَةً، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ:
لَقَدْ قَتَلْتُكَ بِالْهِجَاءِ فَلَمْ تَمُتْ | إِنَّ الْكِلَابَ طَوِيلَةُ الْأَعْمَارِ |
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِتَبْدِيلِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهَا تَبْقَى وَلَا تَتَغَيَّرُ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [١٨ ٧ - ٨]، فَإِنَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ جَعَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِابْتِلَاءِ الْخَلْقِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يَجْعَلُ مَا عَلَى الْأَرْضِ صَعِيدًا جُرُزًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُغَيِّرُ نَفْسَ الْأَرْضِ، فَيُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ التَّغْيِيرَ حَاصِلٌ فِي مَا عَلَيْهَا دُونَ نَفْسِهَا.
وَالْجَوَابُ هُوَ أَنَّ حِكْمَةَ ذِكْرِ مَا عَلَيْهَا دُونَهَا، لِأَنَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الزِّينَةِ وَالزَّخَارِفِ وَمَتَاعِ الدُّنْيَا، هُوَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ وَالطُّغْيَانِ، وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فَانٍ زَائِلٌ فِيهِ أَكْبَرُ وَاعِظٍ وَأَعْظَمُ زَاجِرٍ، عَنِ الِافْتِتَانِ بِهِ، وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ خُصَّ بِالذِّكْرِ، فَلَا يُنَافِي تَبْدِيلَ الْأَرْضِ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ، مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: مَا عَلَيْهَا مَفْهُومُ لَقَبٍ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ الَّذِي هُوَ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الْكَائِنَةِ عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً