بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الرُّومِقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا الْآيَةَ.
هَذَا خِطَابٌ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ [٣٠ ٣١]، فَقَوْلُهُ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي قَوْلِهِ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ الْوَاقِعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى فَأَقِمْ وَجْهَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ كَوْنِكُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْحَالَ إِنْ لَمْ تَكُنْ سَبَبِيَّةً لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً لِصَاحِبِهَا إِفْرَادًا وَتَثْنِيَةً وَجَمْعًا وَتَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا، فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا؟ فَالْحَالُ جَمْعٌ وَصَاحِبُهَا مُفْرَدٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعُمُّ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، فَالْأُمَّةُ تَدْخُلُ تَحْتَ خِطَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكُونُ الْحَالَةُ مِنَ الْجَمِيعِ الدَّاخِلِ تَحْتَ خِطَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي دُخُولِ الْأُمَّةِ تَحْتَ الْخِطَابِ الْخَاصِّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [٦٥]. فَقَوْلُهُ: طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ بَعْدَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْأُمَّةِ تَحْتَ لَفْظِ «النَّبِيِّ». وَقَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [٦٦]، ثُمَّ قَالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [٦٦ ٢] وَقَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [٣٣ ١]، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [٣٣ ٢].
وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [٣٣ ٣٧]، ثُمَّ قَالَ: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ الْآيَةَ [٣٣ ٣٧].
وَقَوْلُهُ: