بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْحَاقَّةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ.
تَقَدَّمَ رَفْعُ الْإِشْكَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ لَا يَكْفِي، كَقَوْلِهِ: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [١٠ ٣٦]، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ [٢ ٤٦] فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ.
ظَاهِرُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا طَعَامَ لِأَهْلِ النَّارِ إِلَّا الْغِسْلِينَ، وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَاتِ، لِأَنَّهُ فِعْلِينٌ مِنَ الْغَسْلِ لِأَنَّ الصَّدِيدَ كَأَنَّهُ غُسَالَةُ قُرُوحِ أَهْلِ النَّارِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ طَعَامِهِمْ فِي غَيْرِ الْغِسْلِينِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [٨٨ ٦]، وَهُوَ الشِّبْرِقُ الْيَابِسُ عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَاتِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى وَصَارَ ضَرِيعًا بَانَ عَنْهُ النَّحَائِصُ
وَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ أَحْسَنُهَا عِنْدِي اثْنَانِ مِنْهَا:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَذَابَ أَلْوَانٌ، وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَا طَعَامَ لَهُ إِلَّا مِنْ غِسْلِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا طَعَامَ لَهُ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا طَعَامَ لَهُ إِلَّا الزَّقُّومَ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [١٥ ٤٤].


الصفحة التالية
Icon