البحث الثاني: في بيان مصدر القرآن
تمهيد:
لقد علم الناس أجمعون علمًا لا يخالطه شك أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي ولد بمكة في القرآن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها ولا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض.
أما بعد، فمن أين جاء به محمد بن عبد الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أمن عند نفسه ومن وحي ضميره، أم من عند معلم؟ ومن هو ذلك المعلم؟
تحديد الدعوى أخذًا من النصوص القرآنية:
نقرأ في هذا الكتاب ذاته أنه ليس من عمل صاحبه، وإنما هو قول رسول كريم، ذو قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين: ذلكم هو جبريل -عليه السلام- تلقاه من لدن حكيم عليم، ثم نزله بلسان عربي مبين على قلب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتلقنه محمد منه كما يتلقن التلميذ عن أستاذه نصًّا من النصوص، ولم يكن له فيه من عمل بعد ذلك إلا: "١" الوعي والحفظ، ثم "٢" الحكاية والتبليغ، ثم "٣" البيان والتفسير، ثم "٤" التطبيق والتنفيذ.
أما ابتكار معانيه وصياغة مبانيه فما هو منهما بسبيل، وليس له من أمرهما شيء، إن هو إلا وحي يوحى.