الخلاصة:
تلك هي سورة البقرة.. أرأيت وحدتها في كثرتها؟ أعرفت اتجاه خطوطها في لوحتها؟ أرأيت كيف التحمت لبناتها من غير ملاط يمسكها، وارتفعت سماؤها بغير عمد تسندها؟ أرأيت كيف انتظم من رأسها وصدرها وأحشائها وأطرافها، لا أقول أحسن دمية، بل أجمل صورة حية. كل ذرة في خليتها، وكل خلية في عضوها، وكل عضو في جهازه، وكل جهاز في جسمه، ينادي بأنه قد أخذ مكانه المقسوم، وفقًا لخط جامع مرسوم، رسمه مربي النفوس ومزكيها، ومنور العقول وهاديها، ومرشد الأرواح وحاديها.. فتالله لو أن هذه السورة رتبت بعد تمام نزولها، لكان جمع أشتاتها على هذه الصورة معجزة، فكيف وكل نجم منها -كسائر النجوم في سائر السور- كان يوضع في رتبته من فور نزوله، وكان يحفظ لغيره مكانه انتظارًا لحلوله؛ وهكذا كان ما لم ينزل منها معروف الرتبة محدد الموقع قبل أن ينزل؟ ثم كيف وقد اختصت من بين السور المنجمة بأنها حددت مواقع نجومها لا قبل نزولها بعام أو بعض عام، بل بتسعة أعوام؟
لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات، وفي أساليب تربيته معجزات، وفي نبوءاته الصادقة معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية "معجزات" ومعجزات، لعمري إنه في ترتيب آية على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات!


الصفحة التالية
Icon