والبراءة - كما قلنا - هي انقطاع العصمة، والعصمة استمساك، والحق تبارك وتعالى يقول: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١].
وهو أيضا يقول: ﴿لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله﴾ [هود: ٤٣].
إذن فالبراءة يلزم منها أنه كان هناك عهد واستمساك به، وجاءت البراءة من الاستمساك بهذا العهد الذي عهده رسول الله معهم، وكانوا معتصمين بالمعاهدة، ثم جاء الأمر الإلهي بقطع هذه المعاهدة. وكلمة «براءة» تجدها في «الدَّيْن» ويقال: «برىءَ فلانٌ من الدَّيْن». أي أن الدَّيْنَ كان لازماً في رقبته، وحين سَدَّده وأدَّاه يقال: «برىء من الدَّين». ويُقال: «برىء فلان من المرض» إذا شُفِي منه أي أن المرضَ كان يستمسك به ثم انقطع الاستمساك بينه وبين المرض.
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد عاهد قريشاً وعاهد اليهود، ولم يُوَفِّ هؤلاء بالعهود، وكان لزاماً أن ينقض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذه العهود. وإذا سأل سائل: لماذا لم ينقض هذه العهود من البداية، ولماذا تأخر نقضه لها إلى السنة التاسعة من الهجرة. رغم أن مكة قد فتحت في العام الثامن من الهجرة؟
لقد حرر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الكعبة من الأصنام والوثنية، وبعد أن استقرت دولة الإسلام بدأ تحرير «المكين» وهو الإنسان الذي يحيا بجانب البيت


الصفحة التالية
Icon