سورة إبراهيم
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير أنها نزلت بمكة، والظاهر أنهما أرادا أنها كلها كذلك وهو الذي عليه الجمهور، وأخرج النحاس في ناسخه عن الحبر أنها مكية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة وهما أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [إبراهيم: ٢٨] الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين، وأخرج نحوه أبو الشيخ عن قتادة، وقال الإمام: إذا لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام فنزولها بمكة والمدينة سواء إذ لا يختلف الغرض فيه إلا أن يكون فيها ناسخ أو منسوخ فتظهر فائدته يعني أنه لا يختلف الحال وتظهر ثمرته إلا بما ذكر فإن لم يكن فليس فيه إلا ضبط زمان النزول وكفى به فائدة، وهل في هذه السورة منسوخ أو لا؟ قولان والجمهور على الثاني. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن فيها آية منسوخة وهي قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: ٣٤] فإنه قد نسخت باعتبار الآخر بقوله تعالى في سورة النحل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: ١٨] وفيه نظر، وهي إحدى وخمسون آية في البصري، وقيل: خمسون فيه، واثنان وخمسون في الكوفي، وأربع في المدني، وخمس في الشامي. وارتباطها بالسورة التي قبلها واضح جدا لأنه قد ذكر في تلك السورة من مدح الكتاب وبيان أنه مغن عما اقترحوه ما ذكر، وافتتحت هذه بوصف الكتاب والإيماء إلى أنه مغن عن ذلك أيضا، وإذا أريد ب مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرعد: ٤٣] الله تعالى ناسب مطلع هذه ختام تلك أشد مناسبة، وأيضا قد ذكر في تلك إنزال القرآن حكما عربيا ولم يصرح فيها بحكمة ذلك وصرح بها هنا وأيضا تضمنت تلك الأخبار من قبله تعالى بأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله تعالى وتضمنت هذه الأخبار به من جهة الرسل عليهم السلام وأنهم قالوا: ما كان لنا أن نأتي بسلطان إلا بإذن الله، وأيضا ذكر هناك أمره عليه الصلاة والسلام بأن عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [الرعد: ٣٠] وحكي هنا عن إخوانه المرسلين عليهم السلام توكلهم عليه سبحانه وأمرهم بالتوكل عليه جل شأنه، واشتملت تلك على تمثيل للحق والباطل واشتملت هذه على ذلك أيضا بناء على بعض ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في قوله سبحانه: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم: ٢٤] إلى آخره، وأيضا ذكر في الأولى من رفع السماء ومد الأرض وتسخير الشمس والقمر إلى غير ذلك ما ذكر وذكر هنا نحو ذلك إلا أنه سبحانه اعتبر ما ذكر أولا آيات وما ذكر ثانيا نعما وصرح في كل بأشياء لم يصرح بها في الآخر، وأيضا قد ذكر هناك مكر الكفرة وذكر هنا أيضا وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك، وأيضا قال الجلال السيوطي: إنه ذكر في الأولى قوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ [الرعد: ٣٢] وذلك مجمل في أربعة مواضع الرسل. والمستهزئين.
وصفة الاستهزاء والأخذ وقد فصلت الأربعة في قوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ [إبراهيم: ٩] الآيات، وقد اشتركت السورتان مما عدا افتتاح كل منهما بالمتشابه بأن كلا قد افتتح بالألف واختتم بالباء، وجمعا أيضا في آخر ما ختما به، وبقي مناسبات بينهما غير ما ذكرنا لو ذكرناها لطال الكلام والله تعالى أعلم بما في كتابه.


الصفحة التالية
Icon