سورة العلق
وتسمى سورة اقرأ، لا خلاف في مكيتها وإنما الخلاف في عدد آيها ففي الحجازي عشرون آية، وفي العراقي تسع عشرة، وفي الشامي ثماني عشرة، وفي أنها أول نازل أو لا فذهب كثير إلى أنها أول نازل، فقد أخرج الطبراني في الكبير بسنده على شرط الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري يقرئنا فيجلسنا حلقا عليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] قال: هذه أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة نحوه.
وأخرج غير واحد عن مجاهد قال: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم ن وَالْقَلَمِ [القلم: ١] وروى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أولا؟
قال: يا أيها المدثر، قلت: يقولون اقرأ باسم ربك قال: أحدثكم بما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم
، فساق الحديث مستدلا به على ما ادعاه وأجاب عنه الأولون بعدة أجوبة مر ذكرها وقيل الفاتحة. واحتج له بحديث مرسل رجاله ثقات أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمر عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، وأجيب عنه بأن ما فيه يحتمل أن يكون خبرا عما نزل بعد اقرأ ويا أيها المدثر، مع أن غيره أقوى منه رواية وجزم جابر بن زيد بأن أول ما نزل اقرأ، ثم ن، ثم يا أيها المزمل، ثم يا أيها المدثر، ثم الفاتحة. وقيل أول ما نزل صدرها إلى ما لم يعلم في غار حراء ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله تعالى وهو ظاهر ما
أخرجه الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد وعبد الرزاق وغيرهم من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة في حديث بدء الوحي، وفيه: «فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترجف بوادره إلى أن قالت: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي
وفي آخر ما رووا قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت، فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: ١- ٥] فحمي الوحي وتتابع».
ويعلم منه ضعف الاستدلال على كون سورة المدثر أول نازل من القرآن على الإطلاق بما روي أولا عن جابر المذكور كما لا يخفى على الواقف عليه، وقد ذكرناه صدر الكلام في سورة المدثر لقوله فيه وهو يحدث عن فترة الوحي
وقوله: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء»
وقوله «فحمي الوحي وتتابع»
أي بعد فترته


الصفحة التالية
Icon