سورة الفلق
مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر ورواية كريب عن ابن عباس، مدنية في قول ابن عباس في رواية أبي صالح وقتادة وجماعة وهو الصحيح لأن سبب نزولها سحر اليهود كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وهم إنما سحروه عليه الصلاة والسلام بالمدينة كما جاء في الصحاح فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية وكذا الكلام في سورة الناس وآيها الخمس بلا خلاف. ولما شرح أمر الإلهية في السورة قبلها جيء بها بعدها شرحا لما يستعاذ منه بالله تعالى من الشر الذي في مراتب العالم ومراتب مخلوقاته، وهي والسورة التي بعدها نزلتا معا كما في الدلائل للبيهقي فلذلك قرنتا مع ما اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين ومن الافتتاح بقل أعوذ.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهما عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أنزلت عليّ الليلة آيات لم أر مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس»
. وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثم تمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
وجاء في الحديث أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي وثلاثا حين يصبح كفته من كل شيء.
وفي فضلهما أخبار كثيرة غير ما ذكر. وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما. أخرج الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله تعالى إنما أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما. وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة
وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة
وأثبتتا في المصحف.
وأخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم عن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب فقلت له: يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه. فقال: أما والذي بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم بالحق لقد سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك. فقال: قيل لي قل فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم
. وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين في إعجاز القرآن قال: لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الإعجاز لتميز به غير القرآن فلم يختلف في كونه منه، وأنت تعلم أنه قد وقع الإجماع على قرآنيتهما وقالوا إن إنكار ذلك اليوم كفر، ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك وفي شرح المواقف أن اختلاف الصحابة في بعض سور القرآن مروي بالآحاد المفيدة للظن ومجموع القرآن منقول بالتواتر المفيد لليقين الذي يضمحل الظن في مقابلته، فتلك الآحاد مما لا يلتفت إليه ثم إن سلمنا اختلافهم فيما ذكر قلنا إنهم لم يختلفوا في نزوله على النبيّ صلّى الله عليه وسلم ولا