فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الْآيَةَ [٣٣ ١٩]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [٣٣ ١٠] فَالدَّوَرَانُ وَالزَّيْغُوغَةُ الْمَذْكُورَانِ يُعْلَمُ بِهِمَا مَعْنَى تُقَلِّبِ الْأَبْصَارِ، وَإِنْ كَانَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْخَوْفِ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: «لِيَجْزِيَهُمُ» مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: «يُسِبِّحُ»، أَيْ: يُسَبِّحُونَ لَهُ، وَيَخَافُونَ يَوْمًا لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى، هِيَ مُضَاعَفَةُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [٦ ١٦٠]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [٤ ٤٠]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [٢ ٢٦١].
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الزِّيَادَةُ هُنَا كَالزِّيَادَةِ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [١٠ ٢٦] وَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، وَذَلِكَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [٥٠ ٣٥].
وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: «أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا» صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، وَصِيغَةُ التَّفْضِيلِ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حَسَنًا لَمْ يُجْزَوْهُ وَهُوَ الْمُبَاحُ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ:
مَا رَبُّنَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَسَنٌ
وَغَيْرُهُ الْقَبِيحُ وَالْمُسْتَهْجَنُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا. ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ أَعْمَالَ الْكُفَّارِ بَاطِلَةٌ، وَأَنَّهَا لَا شَيْءَ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي السَّرَابِ الَّذِي مَثَّلَهَا بِهِ: حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ


الصفحة التالية
Icon