بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الرُّومِقَوْلُهُ تَعَالَى: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعْدَ اللَّهِ، مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ إِلَى قَوْلِهِ: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [٣٠ ٣ - ٥]، هُوَ نَفْسُ الْوَعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى، أَيْ: وَعَدَ اللَّهُ ذَلِكَ وَعْدًا.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وَهُمُ الْكُفَّارُ لَا يَعْلَمُونَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنِ الْآخِرَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا: وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. [١٣ ٣١] وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ وَعِيدَهُ لِلْكُفَّارِ لَا يُخْلَفُ أَيْضًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ الْآيَةَ [٥٠ ٢٨ - ٢٩].
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ لَدَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ وَعِيدُهُ لِلْكُفَّارِ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [٥٠ ١٤]، وَقَوْلِهِ: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ [٣٨ ١٤]، فَقَوْلُهُ: حَقَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، أَيْ: وَجَبَ وَثَبَتَ، فَلَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ بِحَالٍ.