بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الْآيَةَ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَثَلِهِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الْآيَةَ [١٧ ٢٢]، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ «الْأَحْزَابِ» هَذِهِ، مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ لَفْظُهُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْمَلُ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ الْآيَةَ [٥ ٣٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ.
فِي هَذِهِ الْحَرْفِ أَرْبَعُ قِرَاءاتٍ سَبْعِيَّةٍ: قَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحْدَهُ: تُظَاهِرُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَهَاءٌ مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (تَظَاهَرُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مُخَفَّفَةٌ، فَأَلِفٌ فَهَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مُخَفَّفَةٌ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ يُشَدِّدُ الظَّاءَ، وَهُمَا يُخَفِّفَانِهَا. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (تَظَّهَّرُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ فَهَاءٌ مَفْتُوحَتَانِ مُشَدَّدَتَانِ بِدُونِ أَلِفٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: تُظَاهِرُونَ، عَلَى قِرَاءَةِ عَاصِمٍ مُضَارِعُ ظَاهَرَ بِوَزْنِ فَاعَلَ، وَعَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، فَهُوَ مُضَارِعُ تَظَاهَرَ بِوَزْنِ تَفَاعَلَ حُذِفَتْ فِيهِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي «الْخُلَاصَةِ» :
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتَدَى قَدْ يُقْتَصَرْ فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنِ الْعِبَرْ
فَالْأَصْلُ عَلَى قِرَاءَةِ الْأَخَوَيْنِ تَتَظَاهَرُونَ، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، فَهُوَ مُضَارِعُ تَظَاهَرَ أَيْضًا، كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، إِلَّا أَنَّ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أُدْغِمَتْ فِي الظَّاءِ وَلَمْ تُحْذَفْ، وَمَاضِيهِ اظَّاهَرَ كَـ ادَّارَكَ [٢٧ ٦٦]، وَاثَّاقَلْتُمْ [٩ ٣٨]، وَادَّارَأْتُمْ [٢ ٧٢]، بِمَعْنَى تَدَارَكَ، إِلَخْ.


الصفحة التالية
Icon