بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ يسقَوْلُهُ تَعَالَى: يس. التَّحْقِيقُ إِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَالْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ «مَرْيَمَ»، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كهيعص [١٩ ١]، وَالسِّينُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ «الشُّعَرَاءِ» وَ «الْقَصَصِ»، فِي قَوْلِهِ: طسم [٢٦ ١] وَفِي أَوَّلِ «النَّمْلِ»، فِي قَوْلِهِ: طس [٢٧ ١]، وَفِي أَوَّلِ «الشُّورَى»، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حم عسق [٤٢ ١ - ٢].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «هُودٍ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ التَّوْكِيدِ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، هُوَ إِنْكَارُ الْكُفَّارِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [١٣ ٤٣]، فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [٢ ٢٥٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. لَفْظَةُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، قِيلَ: نَافِيَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: مَوْصُولَةٌ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتُنْذِرَ، وَقِيلَ: مَصْدَرِيَّةٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا دَلَالَةَ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ، وَأَنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَرْتِيبُهُ بِالْفَاءِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: فَهُمْ غَافِلُونَ ; لِأَنَّ كَوْنَهُمْ غَافِلِينَ يُنَاسِبُ عَدَمَ الْإِنْذَارِ لَا الْإِنْذَارَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ ; كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ»، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [١٧ ١٥].