بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْقَلَمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: ن.
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِ سُورَةِ هُودٍ: وَذَكَرَ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَهِيَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
فَقِيلَ: إِنَّهَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ أَوْ أَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عِدَّةِ حُرُوفٍ كُلُّ حَرْفٍ مِنِ اسْمٍ، أَوْ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ، أَوْ أَنَّهَا لِلْإِعْجَازِ، وَبَيَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهَ كُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا، وَرَجَّحَ الْأَخِيرَ، وَأَنَّهَا لِلْإِعْجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَهَا دَائِمًا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ بَسَطَ الْبَحْثَ بِمَا يَكْفِي وَيَشْفِي.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بِأَقْوَالٍ أُخْرَى، مِنْهَا أَنَّ: ن بِمَعْنَى الدَّوَاةِ أَيْ: بِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْقَلَمِ، وَعَزَاهُ إِلَى الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ: إِنَّ فِيهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَلَكِنْ غَرِيبٌ جِدًّا، وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّونَ وَهِيَ الدَّوَاةُ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ»، الْحَدِيثَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خَلَقَ اللَّهُ النُّونَ وَهِيَ الدَّوَاةُ».
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ كُلَّ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَزَادَ أَوْجُهًا أُخْرَى: مِنْهَا أَنَّهَا افْتِتَاحِيَّاتٌ لِأَوَائِلِ السُّوَرِ تَسْتَرْعِي انْتِبَاهَ الْمُسْتَمِعِينَ، ثُمَّ يُتْلَى عَلَيْهِمْ مَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ حِسَابِ الْجُمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عِنْدَ أَوَّلِ «سُورَةِ الشُّورَى» : حم عسق [٤٢ ١ - ٢] أَثَرًا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَاسْتَغْرَبَهُ وَاسْتَنْكَرَهُ، وَلَكِنْ وَقَعَ مَا يَقْرُبُ مِنْ مِصْدَاقِهِ وَمُطَابَقَتِهِ مُطَابَقَةً تَامَّةً.
وَنَصُّهُ مِنِ ابْنِ جَرِيرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ: حم عسق قَالَ: فَأَطْرَقَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ كَرَّرَ مَقَالَتَهُ فَأَعْرَضَ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، وَكَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ كَرَّرَهَا الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُجِبْهُ شَيْئًا.


الصفحة التالية
Icon