بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ نُوحٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
فِيهِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ رَسُولَهُ نُوحًا لِيُنْذِرَ قَوْمَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ، فَالنِّذَارَةُ أَوَّلًا وَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ وَالرُّسُلِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [١٧ ١٥] ; وَذَلِكَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ أَوَّلًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [٤ ١٦٥]، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ الْآيَةَ. جَعَلَ الطَّاعَةَ هُنَا لِنَبِيِّ اللَّهِ نُوحٍ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَّقَ عَلَيْهَا مَغْفِرَةَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِمْ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ، فَهِيَ فِي الْأَصْلِ طَاعَةٌ لِلَّهِ ; لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «النِّسَاءِ» وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [٤ ٧٩ - ٨٠].
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا
أَيْ: عَلَى الدَّوَامِ كَمَا قَالَ: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [٧١ ٨ - ٩].
أَيْ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا عَلَيْهِ - وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَذَلَ كُلَّ مَا يُمْكِنُهُ فِي سَبِيلِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى مُدَّةَ مُكْثِهِ فِيهِمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [٢٩ ١٤].