بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا
بَيَّنَ تَعَالَى الْمُرَادَ مِنَ الْمِقْدَارِ الْمَطْلُوبِ قِيَامُهُ بِمَا جَاءَ بَعْدَهُ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ [٧٣ ٣]، أَيْ: مِنْ نِصْفِهِ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، أَيْ: عَلَى نِصْفِهِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَمَا بَعْدَهَا بَيَانٌ لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ الْآيَةَ [١٧ ٧٩].
وَفِيهَا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْقِيَامِ، وَهُوَ بِتَرْتِيلِ الْقُرْآنِ، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ اخْتُلِفَ فِيهِمَا.
الْأُولَى مِنْهُمَا: عَدَدُ رَكَعَاتِ قِيَامِ اللَّيْلِ، أَهْوَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ أَوْ أَكْثَرُ؟
وَقَدْ خُيِّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِنَشَاطِهِ وَاسْتِعْدَادِهِ وَارْتِيَاحِهِ. فَلَا يُمْكِنُ التَّعَبُّدُ بِعَدَدٍ لَا يَصِحُّ دُونَهُ وَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا ارْتَضَاهُ السَّلَفُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً عَامَّةً هِيَ رِسَالَةُ التَّرَاوِيحِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدِ اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى عِشْرِينَ فِي رَمَضَانَ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَامَّةً: هَلِ الْأَفْضَلُ كَثْرَةُ الرَّكَعَاتِ لِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟، وَحَيْثُ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، أَمْ طُولَ الْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ؟ حَيْثُ إِنَّ لِلْقَارِئِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَهُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [٧٣ ٤]، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَرْتِيلِ الْقُرْآنِ تَرْتِيلًا، وَأَكَّدَ بِالْمَصْدَرِ تَأْكِيدًا لِإِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الرَّمْلِ، وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ؟ قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ».
وَقَدْ بَيَّنَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تِلَاوَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهَا: كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [١ ٤]. رَوَاهُ أَحْمَدُ.


الصفحة التالية
Icon