بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ النَّازِعَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا
الْوَاوُ لِلْقَسَمِ، وَالْمُقْسَمُ بِهِ مَحْذُوفٌ، ذُكِرَتْ صِفَاتُهُ فِي كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا [٧٩ ٥].
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُقْسَمِ بِهِ فِيهَا كُلِّهَا، عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
«وَالنَّازِعَاتِ» : جَمْعُ نَازِعَةٍ، وَالنَّزْعُ: جَذْبُ الشَّيْءِ بِقُوَّةٍ مِنْ مَقَرِّهِ، كَنَزْعِ الْقَوْسِ عَنْ كَبِدِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمَحْسُوسِ وَالْمَعْنَوِيِّ، فَمِنَ الْأَوَّلِ نَزْعُ الْقَوْسِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «وَنَزَعَ يَدَهُ» [٧ ١٠٨]، وَقَوْلُهُ: تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [٥٤ ٢٠]، وَقَوْلُهُ: «يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا» [٧ ٢٧]، وَمِنَ الْمَعْنَوِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا [١٥ ٤٧]، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [٤ ٥٩]، وَالْحَدِيثُ: «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ».
وَالْإِغْرَاقُ: الْمُبَالَغَةُ، وَالِاسْتِغْرَاقُ: الِاسْتِيعَابُ.
أَمَّا الْمُرَادُ بِـ «النَّازِعَاتِ غَرْقًا» هُنَا، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَى حَوَالِي عَشَرَةِ أَقْوَالٍ مِنْهَا: أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ تَنْزِعُ الْأَرْوَاحَ، وَالنُّجُومُ تَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَالْأَقْوَاسُ تَنْزِعُ السِّهَامَ، وَالْغُزَاةُ يَنْزِعُونَ عَلَى الْأَقْوَاسِ، وَالْغُزَاةُ يَنْزِعُونَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِلْقِتَالِ، وَالْوُحُوشُ تَنْزِعُ إِلَى الطَّلَا، أَيِ: الْحَيَوَانُ الْوَحْشِيُّ.
«وَالنَّاشِطَاتِ» : قِيلَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ: النَّشَاطُ وَالْخِفَّةُ، وَالْأُنْشُوطَةُ: الْعُقْدَةُ سَهْلَةُ الْحَلِّ، وَنَشَّطَهُ بِمَعْنَى رَبَطَهُ، وَأَنْشَطَهُ حَلَّهُ بِسُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ».
أَمَّا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى النَّحْوِ الْمُتَقَدِّمِ تَقْرِيبًا، فَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ تَنْشَطُ


الصفحة التالية
Icon