بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ الْفَجْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي
اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْفَجْرِ، فَقِيلَ: انْفِجَارُ النَّهَارِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.
وَقِيلَ: صَلَاةُ الْفَجْرِ.
وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَهُ شَاهَدٌ مِنَ الْقُرْآنِ. أَمَّا انْفِجَارُ النَّهَارِ، فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [٨١ ١٨].
وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [١٧ ٧٨]، وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ مَا يُقَرِّبُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، إِذْ هُوَ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي: " الْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ "، " اللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي "، وَكُلُّهَا آيَاتٌ زَمَنِيَّةٌ أُنْسِبَ لَهَا انْفِجَارُ النَّهَارِ.
بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَيِّ الْفَجْرِ عَنَى هُنَا؟ فَقِيلَ بِالْعُمُومِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَقِيلَ: بِالْخُصُوصِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَعَلَى الثَّانِي، فَقِيلَ: خُصُوصُ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ. وَقِيلَ: أَوَّلُ يَوْمِ الْمُحَرَّمِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ نَصٌّ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. إِلَّا أَنَّ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّيَالِي الْعَشْرِ، إِنْ قُلْنَا: هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي. إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أَمَّا اللَّيَالِي الْعَشْرُ: فَأَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ مَحْصُورَةٌ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ، وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَالْأَوَّلُ: جَاءَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهَا الْعَشْرُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ " [٧ ١٤٢]، وَكُلُّهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ بِعَيْنِهَا.
وَفِي السُّنَّةِ بَيَانُ فَضِيلَةِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَإِنَّ جَعْلَ الْفَجْرِ خَاصًّا بِيَوْمِ النَّحْرِ، كَانَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَقْرَبَ لِلسِّيَاقِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.