بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ الضُّحَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
تَقَدَّمَ مَعْنَى الضُّحَى فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا النَّهَارُ كُلُّهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [٧ ٩٧ - ٩٨]، وَقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى قِيلَ: أَقْبَلَ، وَقِيلَ: شِدَّةُ ظَلَامِهِ، وَقِيلَ: غَطَّى، وَقِيلَ: سَكَنَ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي إِمْلَائِهِ مَعْنَى: سَكَنَ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَكَنَ بِأَهْلِهِ، وَثَبَتَ بِظَلَامِهِ، قَالَ: كَمَا يُقَالُ: بَحْرٌ سَاجٍ، إِذَا كَانَ سَاكِنًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

فَمَا ذَنْبُنَا إِنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ وَبَحْرُكَ سَاجٍ مَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجُ وَطَرْقٌ مِثْلُ مُلَاءِ النَّسَّاجِ
وَأَنْشَدَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ، وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرٍ:
وَلَقَدْ رَمَيْتُكِ يَوْمَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ يَنْظُرْنَ مِنْ خَلَلِ السُّتُورِ سَوَاجِ
أَقْسَمَ تَعَالَى بِالضُّحَى وَاللَّيْلِ هُنَا فَقَطْ ; لِمُنَاسَبَتِهَا لِلْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُمَا طَرَفَا الزَّمَنِ وَظَرْفَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ مُؤَانِسًا: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى»، لَا فِي لَيْلٍ وَلَا فِي نَهَارٍ، عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ، قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ تَوْدِيعِ الْمُفَارِقِ. وَقُرِئَ: «مَا


الصفحة التالية
Icon