سُورَةُ النَّحْلِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَى) : هُوَ مَاضٍ عَلَى بَابِهِ ; وَهُوَ بِمَعْنَى قَرُبَ.
وَقِيلَ: يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ، وَلَمَّا كَانَ خَبَرُ اللَّهِ صِدْقًا، جَازَ قَطْعًا أَنْ يُعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْهَاءُ فِي «تَسْتَعْجِلُوهُ» تَعُودُ عَلَى الْأَمْرِ، وَقِيلَ: عَلَى اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ) : فِيهِ قِرَاءَاتٌ، وَوُجُوهُهَا ظَاهِرَةٌ.
وَ (بِالرُّوحِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ; أَيْ وَمَعَهَا الرُّوحُ، وَهُوَ الْوَحْيُ. وَ (مِنْ أَمْرِهِ) : حَالٌ مِنَ الرُّوحِ.
(أَنْ أَنْذِرُوا) : أَنْ بِمَعْنَى أَيْ ; لِأَنَّ الْوَحْيَ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ، فَيُفَسَّرُ بِأَنْ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الرُّوحِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ.
(أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ مَفْعُولٍ «أَنْذِرُوا» أَيْ أَعْلِمُوهُمْ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ، فَقَالَ: «فَاتَّقُونِ».
قَالَ تَعَالَى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ) : إِنْ قِيلَ: الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَكَوْنُهُ خَصِيمًا لَا يَكُونُ عُقَيْبَ خَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ ; فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:


الصفحة التالية
Icon