سُورَةُ الْجِنِّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُوحِيَ إِلَيَّ) : يُقْرَأُ أُحِيَ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَأَصْلُهُ وُحِيَ، يُقَالُ: وَحَيَ وَأَوْحَى، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ الْمَضْمُومَةُ هَمْزَةً. وَمَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ «أَنَّ» فَبَعْضُهُ مَفْتُوحٌ وَبَعْضُهُ مَكْسُورٌ، وَفِي بَعْضِهِ اخْتِلَافٌ، فَمَا كَانَ مَعُطُوفًا عَلَى أَنَّهُ اسْتَمَعَ فَهُوَ مَفْتُوحٌ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَمَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالْوَحْيِ؛ وَمَا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى «إِنَّا سَمِعْنَا» فَهُوَ مَكْسُورٌ؛ لِأَنَّهُ حُكِيَ بَعْدَ الْقَوْلِ؛ وَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ فِي «بِهِ» كَانَ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَطْفِ؛ وَلَا يُجِيزُهُ الْبَصْرِيُّونَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَزْمِ يَلْزَمُ إِعَادَتُهُ عِنْدَهُمْ هُنَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) : فَالْفَتْحُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «أَنَّهُ اسْتَمَعَ» فَيَكُونُ قَدْ أُوحِيَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِتَدْعُوا؛ أَيْ فَلَا تُشْرِكُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَهُ؛ أَيْ مَوَاضِعَ السُّجُودِ.
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ مَسْجِدٍ؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ. وَمَنْ كَسَرَ اسْتَأْنَفَ. وَأَمَّا «وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ» فَيَحْتَمِلُ الْعَطْفَ عَلَى «أَنَّهُ اسْتَمَعَ» وَعَلَى «إِنَّا سَمِعْنَا».


الصفحة التالية
Icon