الصَّلَاةِ وَلَمْ يَمْنَعْ نَسْخَهَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تعالى [فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ] فِي إثْبَاتِ التَّخْيِيرِ فِي إيجَابِ الْقِرَاءَةِ بِمَا شَاءَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَزَلَ فِي شَأْنِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا قَالُوا إنَّهُ يُجْزِي أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ لِمَا
رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى أَهْلِ العوالي فقال (من تغدى منكم فيمسك وَمَنْ لَمْ يَتَغَدَّ فَلْيَصُمْ)
وَالْغَدَاءُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ لَا يَخْلُو ذِكْرُ الْغَدَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ بالغداء قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ جَوَازَ النِّيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوُجُودِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فِي وَقْتٍ يسمى غداء وَإِلَّا كَانَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْأَكْلِ دُونَ ذكر الغداء لَوْ كَانَ حُكْمُ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً فَلَمَّا أَوْجَبَ أَنْ يَكْسُوَ هَذَا اللَّفْظُ فَائِدَتَهُ لِئَلَّا يَخْلُوَ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَائِدَةٍ وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ نِيَّتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَإِنَّمَا أَجَازُوا تَرْكَ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ بِمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن السُّلَمِيُّ الْبَلْخِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَعْقُوبَ بن عطاء عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يُصْبِحُ وَلَمْ يَجْمَعَ لِلصَّوْمِ فَيَبْدُو لَهُ فَيَصُومُ قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا فَيَقُولُ (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَإِنْ كَانَ وَإِلَّا قَالَ فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ)
فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَعْزِمْ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى أَصْبَحَ فَقَدْ وُجِدَ غَيْرُ صَائِمٍ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْآكِلِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ صَوْمُ يَوْمِهِ قِيلَ لَهُ
قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا مَا مَضَى مِنْ النَّهَارِ عَارِيًّا مِنْ نِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ صَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَكْلِ في أول النهار في منع صحة صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَكَذَلِكَ عَدَمُ نِيَّةِ الصَّوْمِ فِي الْمُسْتَحَقِّ الْعَيْنِ مِنْ الصِّيَامِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِ وَلَا يَكُونُ عَدَمُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ بِمَنْزِلَةِ وُجُودِ الْأَكْلِ فِيهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمُهُ فِي التَّطَوُّعِ وَأَيْضًا فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ عُزُوبُ نِيَّتِهِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ صَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطُ بَقَائِهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ لَهُ فَلِذَلِكَ جَازَ تَرْكُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِبَعْضٍ مِنْ الصَّوْمِ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ صَوْمِهِ وَلَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ أَكَلَ فِي آخِرِهِ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِصَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْأَكْلِ بِمَنْزِلَةِ عُزُوبِ النِّيَّةِ فَاسْتَوَى حُكْمُ الْأَكْلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ وَاخْتُلِفَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ ثُمَّ يَنْوِيَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَيَكُونَ مَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ مَحْكُومًا لَهُ بِحُكْمِ الصَّوْمِ كما يحكم