ولإحرام الحج على نحو قوله [وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ] وَمَعْنَاهُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَقَوْلُهُ [وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى] ومعناه ولكن البر مَنْ اتَّقَى وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِيَصِحَّ إثْبَاتُ حُكْمِ اللَّفْظِ فِي جَعْلِهِ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ الْحَجِّ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ اسْمًا لِلْقَصْدِ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّرْعِ قَدْ عَلَّقَ بِهِ أَفْعَالَ أُخَرَ يَصِحُّ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُسَمَّى الْإِحْرَامُ حَجَّا لِأَنَّ أَوَّلَ قَصْدٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ هُوَ الْإِحْرَامُ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ حُكْمٌ فَجَائِزٌ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يُسَمَّى الْإِحْرَامُ حَجَّا إذْ هُوَ أَوَّلُهُ فَيَكُونُ قوله [يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ] مُنْتَظِمًا لِلْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ
الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ لَوْ خَلَّيْنَا وَظَاهِرَهُ فَلَمَّا خُصَّتْ الْأَفْعَالُ بِأَوْقَاتٍ مَحْصُورَةٍ خَصَّصْنَاهَا مِنْ الْجُمْلَةِ وَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي الْإِحْرَامِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَحُجُّ مَأْمُومَةً فِي قَعْرِهَا لَجَفُ يَعْنِي يَقْصِدُهَا لِيَعْرِفَ مِقْدَارَهَا وَلَيْسَ يَجِبُ مِنْ حَيْثُ عُلِّقَ بِالْقَصْدِ أَفْعَالٌ أُخَرُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَصْدُ اسْمَ الْحَجِّ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِهَا إسْقَاطُ اعْتِبَارِ الْقَصْدِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْإِمْسَاكِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَعَانٍ أُخَرَ مَعَهُ وَلَمْ يَسْقُطْ مَعَ ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْإِمْسَاكِ فِي صِحَّتِهِ وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ اسْمُ اللُّبْثِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَعَانٍ أُخَرَ مَعَ اللُّبْثِ فَكَانَ مَعْنَى الِاسْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ مُعْتَبَرًا وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِهِ فِي الشَّرْعِ مَعَانٍ أُخَرُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الِاسْمِ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِوُجُودِهَا وَكَذَلِكَ الْحَجُّ لَمَّا كَانَ اسْمًا فِي اللُّغَةِ لِلْقَصْدِ ثُمَّ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الْقَصْدِ مُتَعَلِّقًا بِالْإِحْرَامِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا سُمِّيَ بِهِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَفْعَالُ الْمَنَاسِكِ فَوَجَبَ بِحَقِّ الْعُمُومِ كَوْنُ الْأَهِلَّةِ كُلِّهَا مِيقَاتًا لِلْإِحْرَامِ وَقَدْ اقْتَضَى الْعُمُومُ ذَلِكَ لِسَائِرِ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَوْلَا قِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِأَوْقَاتٍ مَحْصُورَةٍ دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ] وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ فِي الْأَشْهُرِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ فَحَصَلَ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَوَجَبَ بعموم قوله [أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ] جَوَازُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِذَا صَحَّ يَوْمُ النَّحْرِ جَازَ فِي سَائِرِ السَّنَةِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ فِي جَوَازِهِ بَيْنَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَنْ قَالَ عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إنما أراد به عشر ليال ولم يَجْعَلْ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ الْحَجُّ فائتا بطلوع


الصفحة التالية
Icon