سورة الفرقان
في السورة صور عديدة لمواقف الكفار من النبي ﷺ وأقوالهم وتعجيزاتهم.
وحملة تقريعية وإنذارية عليهم. وردود مفحمة ببراهين على قدرة الله وعظمته وربوبيته. وتذكير ببعض الأمم السابقة ومصائرهم. وتنويه بالمؤمنين الصالحين وأخلاقهم وحسن عاقبتهم.
وبين موضوعاتها وموضوعات السورة السابقة شيء غير يسير من التشابه والتساوق مما يمكن أن يكون قرينة على صحة ترتيب نزولها بعدها. ونظم السورة مسجع وموزون أكثر منه مرسلا. وفصولها مترابطة. وهذا وذاك مما يسوغ القول بوحدة نزولها أو تلاحق فصولها في النزول. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [٦٨- ٧٠] مدنيات. وانسجامها مع السياق والأسلوب وبروز الطابع المكي عليها مما يحمل على الشك في الرواية. وقد روى الطبري تفنيدا للرواية وتوكيدا بمكية الآيات. وهناك حديث رواه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سنورده في ما بعد جاء فيه أن الآية [٧٠] مكية وهذه الآية جزء لا يتجزأ من الآيتين السابقتين لها حيث يؤيد كل هذا شكّنا في الرواية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣)
. (١) تبارك: تزايد خيره وعظمت بركته.
(٢) الفرقان: معناها اللغوي الفارق. وهي مصدر فرق بمعنى فصل.
ووردت في القرآن بمعان عديدة حيث وردت بمعنى التفريق بين الحقّ والباطل وبمعنى المبين للحق وبمعنى نصر الله وتأييده وللكناية عن القرآن والإشارة إليه وللكناية عن كتب الله مطلقا وعن كتب موسى عليه السلام وهي هنا للكناية عن القرآن. وقيل فيما قيل عن كنايتها للقرآن إنها تأتي أحيانا بمعنى المفرّق ضد المجموع للدلالة على نزوله مفرقا وليس جملة واحدة.
(٣) عبده: كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(٤) قدّره تقديرا: خلقه بحساب وإحكام دقيقين.
(٥) نشورا: هنا بمعنى البعث بعد الموت.
بدأت السورة بالثناء على الله تعالى. وهذا المطلع من مطالع السورة المتكررة على اختلاف في الصيغ.
وقد أعقب الثناء في الآية الأولى والثانية تقرير كون الله تعالى هو الذي أرسل عبده ﷺ لينذر العالم أجمع ويبيّن لهم طريق الحق والهدى ويدعوهم إليه، وتقرير كون الله تعالى هو ملك السموات والأرض وليس له شريك فيه ولم يتخذ ولدا، وأنه خلق كل شيء على أدقّ ترتيب وحساب. أما الآية الثالثة فقد احتوت تنديدا بالكافرين الجاحدين الذين يتخذون آلهة من دونه لا يخلقون شيئا وهم أنفسهم مخلوقون ولا يملكون لأنفسهم- فضلا عن غيرهم- ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا حيث انطوى فيها تسفيه للمشركين والجاحدين بعبادتهم مثل هذه الآلهة دون الله تعالى مالك كل شيء وخالق كل شيء دون ما شريك.
ويبدو من الآيات التي جاءت بعد هذه الآيات أن هذه الآيات جاءت مقدمة لحكاية مواقف جحودية واستهزائية وتعجيزية وقفها الكفار والمشركون. وهي قوية


الصفحة التالية
Icon