بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الفاتحةيُقَالُ لَهَا الْفَاتِحَةُ أَيْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَطًّا وبها تفتتح القراءة في الصلوات، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا أُمُّ الْكِتَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، ذكره أَنَسٌ، وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ كَرِهَا تَسْمِيَتَهَا بِذَلِكَ، قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: إِنَّمَا ذَلِكَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَلِذَا كَرِهَا أَيْضًا أَنْ يُقَالَ لَهَا أم القرآن وقد ثبت في الصَّحِيحِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «الحمد لله رب العالمين أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» وَيُقَالُ لَهَا (الْحَمْدُ) وَيُقَالُ لَهَا (الصَّلَاةُ) لقوله صلّى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثَ. فَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ صَلَاةً لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا وَيُقَالُ لَهَا (الشِّفَاءُ) لِمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُمٍّ» وَيُقَالُ لَهَا (الرُّقْيَةُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحِ حِينَ رَقَى بِهَا الرَّجُلَ السَّلِيمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» ؟ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابن عباس أن سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسَمَّاهَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة (بالواقية) وَسَمَّاهَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ (الْكَافِيَةُ) لِأَنَّهَا تَكْفِي عَمَّا عَدَاهَا وَلَا يَكْفِي مَا سِوَاهَا عَنْهَا كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُرْسَلَةِ «أم القرآن عوض من غيرها وليس من غيرها عوض منها» وَيُقَالُ لَهَا سُورَةُ الصَّلَاةِ وَالْكَنْزِ، ذَكَرَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ.
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَيُقَالُ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: ٨٧] والله تعالى أَعْلَمُ. وَحَكَى أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ نِصْفَهَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، نَقْلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْهُ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: ثمان، وقال حسين الجعفي: ستة، وهذان القولان شَاذَّانِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْبَسْمَلَةِ هَلْ هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا هُوَ عِنْدَ جمهور قراء الكوفة وقول جماعة مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَخَلْقٌ مِنَ الْخَلَفِ أَوْ بَعْضُ آيَةٍ أَوْ لَا تُعَدُّ مِنْ أَوَّلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ القراء والفقهاء على ثلاثة أقوال كما سيأتي تقريرها فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ.
قَالُوا: وَكَلِمَاتُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً، وَحُرُوفُهَا مِائَةٌ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي أول كتاب التفسير وسميت أم الكتاب لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا في الصلاة،