[سورة المائدة (٥) : آية ٨٩]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)وقد تقدم الكلام على اللغو في اليمين فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، ولله الحمد والمنة، وَإِنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ قصد: لا والله وبلى وَاللَّهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقِيلَ هُوَ فِي الْهَزْلِ. وَقِيلَ: فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ: عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَقِيلَ: الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَقِيلَ: فِي النِّسْيَانِ. وَقِيلَ: هُوَ الْحَلْفُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْكَلِ وَالْمُشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ أَيْ بِمَا صَمَّمْتُمْ عَلَيْهِ منها وَقَصَدْتُمُوهَا، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ يَعْنِي مَحَاوِيجَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَكْفِيهِ.
وَقَوْلُهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ: أَيْ مِنْ أَعْدَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: مِنْ أَمْثَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قال: خبز ولبن، وخبز وَسَمْنٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ بَعْضَ أَهْلِهِ قُوتَ دُونٍ، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَيْ مِنَ الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ، وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ: مِنْ عُسْرِهِمْ وَيُسْرِهِمْ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ يَعْنِي ابْنَ شَابُورَ، حَدَّثَنَا شَيْبانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرحمن التميمي، عن ابن عمر رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، قَالَ: الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ، وَالْخُبْزُ وَاللَّبَنُ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالْخَلُّ.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ: الخبز والسمن، والخبز واللبن، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» عَنْ هَنَّادٍ وَابْنِ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُبَيْدَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي رَزِينٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا نَحْوَ ذَلِكَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَيْضًا.
(١) تفسير الطبري ٥/ ١٩.