وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا [الْإِسْرَاءِ: ٨] مَعْنَاهُ وَإِنْ عُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ نَعُدْ لَكُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَإِنْ تَعُودُوا أي إلى الاستفتاح نَعُدْ أي إِلَى الْفَتْحِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّصْرِ لَهُ وَتَظْفِيرِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ أَيْ وَلَوْ جَمَعْتُمْ مِنَ الْجُمُوعِ مَا عَسَى أَنْ تَجْمَعُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فلا غالب له وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الْحِزْبُ النَّبَوِيُّ وَالْجَنَابُ المصطفوي.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)
يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَيَزْجُرُهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْكَافِرِينَ بِهِ الْمُعَانِدِينَ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ أَيْ تَتْرُكُوا طَاعَتَهُ وَامْتِثَالَ أَوَامِرِهِ وَتَرْكَ زَوَاجِرِهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَيْ بَعْدَ مَا عَلِمْتُمْ مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ قِيلَ: الْمُرَادُ الْمُشْرِكُونَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا وَاسْتَجَابُوا وَلَيْسُوا كَذَلِكَ «١».
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ بَنِي آدَمَ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ فَقَالَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ أَيْ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ الْبُكْمُ عَنْ فَهْمِهِ وَلِهَذَا قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْبَرِيَّةِ لِأَنَّ كُلَّ دابة مما سواهم مطيعة لله فِيمَا خَلَقَهَا لَهُ وَهَؤُلَاءِ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ فَكَفَرُوا، وَلِهَذَا شَبَّهَهُمْ بِالْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً
[البقرة: ١٧١] الآية، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٧٩].
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ مِنْ قُرَيْشٍ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي هَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَسْلُوبُ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ وَالْقَصْدِ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا فَهْمَ لَهُمْ صَحِيحٌ وَلَا قَصْدَ لَهُمْ صَحِيحٌ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لَهُمْ فَهْمًا فَقَالَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أَيْ لَأَفْهَمَهُمْ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَلَكِنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ فَلَمْ يُفْهِمْهُمْ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ أَيْ أَفْهَمَهُمْ لَتَوَلَّوْا عَنْ ذَلِكَ قَصْدًا وَعِنَادًا بَعْدَ فَهْمِهِمْ ذَلِكَ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عنه.