وَالْحِيَلِ، فَلَمْ تَخْلُصْ مِنْهَا يَوْمَهَا ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَخَذُوهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّبْتِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ، مَسَخَهُمُ اللَّهُ إِلَى صُورَةِ الْقِرَدَةِ وَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْأَنَاسِيِّ فِي الشَّكْلِ الظَّاهِرِ وليست بإنسان حقيقة، فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لَمَّا كَانَتْ مُشَابِهَةً لِلْحَقِّ فِي الظَّاهِرِ وَمُخَالِفَةً لَهُ فِي الْبَاطِنِ، كَانَ جَزَاؤُهُمْ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ حيث يقول تعالى:
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الْأَعْرَافِ: ١٦٣] الْقِصَّةُ بِكَمَالِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ هُمْ أَهْلُ أَيْلَةَ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَسَنُورِدُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ هُنَاكَ مَبْسُوطَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثقة.
وقوله تعالى: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ:
مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَةً. وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الْجُمُعَةِ: ٥] وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ «١»، وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَوْلٌ غَرِيبٌ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِي غَيْرِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [الْمَائِدَةِ:
٦٠]، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ فَزَعَمَ أَنَّ شَبَابَ القوم صاروا قردة وأن المشيخة صَارُوا خَنَازِيرَ. وَقَالَ شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ عَنْ قَتَادَةَ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَصَارَ الْقَوْمُ قردة تَعَاوَى، لَهَا أَذْنَابٌ بَعْدَ مَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نُودُوا يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلَ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ أَلَمْ نَنْهَكُمْ؟ فيقولون برءوسهم: أَيْ بَلَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن ربيعة بالمصيصية «٢»، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، يَعْنِي الطَّائِفِيَّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فَجُعِلُوا قِرَدَةً فُوَاقًا «٣»، ثُمَّ هَلَكُوا مَا كَانَ لِلْمَسْخِ نَسْلٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً بِمَعْصِيَتِهِمْ، يَقُولُ: إِذْ لَا يَحْيَوْنَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: وَلَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْسَلْ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة

(١) الطبري ١/ ٣٧٣.
(٢) كذا. ولعلها المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس (معجم البلدان).
(٣) الفواق: ما بين الحلبتين من الراحة.


الصفحة التالية
Icon