وقال أبو حاتم الرازي: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثلاث أو وافقت رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَجَبْتَ النِّسَاءَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَالثَّالِثَةُ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَى هَذَا الْكَافِرِ الْمُنَافِقِ؟ فَقَالَ: إِيهًا عَنْكَ «١» يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَنَزَلَتْ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [التَّوْبَةِ: ٨٤] وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَلَا هَذَا بَلِ الْكُلُّ صَحِيحٌ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ إِذَا عَارَضَهُ مَنْطُوقٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أخبرني جعفر عن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعًا حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى.
وَقَالَ ابن جرير «٢» : حدثنا يوسف بن سلمان، أخبرنا حاتم بن إسماعيل، أخبرنا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ، قَالَ: اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّكْنَ فَرْمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نفذ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَا قِطْعَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ «٣» فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ إِنَّمَا هُوَ الْحَجَرُ الذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ وَيُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ فَيَضَعُهَا بِيَدِهِ لرفع الجدار، وكلما كَمَّلَ نَاحِيَةً انْتَقَلَ إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى يَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ جِدَارٍ نَقَلَهُ إِلَى النَّاحِيَةِ التِي تَلِيهَا، وهكذا حتى تم جدران الْكَعْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَكَانَتْ آثَارُ قَدَمَيْهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مَعْرُوفًا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قصيدته المعروفة اللامية: [الطويل]
وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ | عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ |
(٢) تفسير الطبري ١/ ٥٨٦.
(٣) صحيح مسلم (حج حديث ١٤٧).