سُورَةِ الزُّخْرُفِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)
يَقُولُ تَعَالَى: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ أَيِ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ، لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ لِلتَّخَاطُبِ بَيْنَ الناس، ولهذا قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ أي نزلناه قُرْآناً عَرَبِيًّا أَيْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَصِيحًا وَاضِحًا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أَيْ تَفْهَمُونَهُ وَتَتَدَبَّرُونَهُ، كَمَا قَالَ عز وجل: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاءِ: ١٩٥].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ بَيَّنَ شَرَفَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى لِيُشَرِّفَهُ وَيُعَظِّمَهُ وَيُطِيعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ أَيِ الْقُرْآنَ فِي أُمِّ الْكِتابِ أَيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، قَالَهُ ابن عباس رضي الله عنهما وَمُجَاهِدٌ لَدَيْنا أَيْ عِنْدَنَا، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ لَعَلِيٌّ أَيْ ذُو مَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ وَشَرَفٍ وَفَضْلٍ قَالَهُ قَتَادَةُ حَكِيمٌ أَيْ مُحْكَمٌ بَرِيءٌ مِنَ اللَّبْسِ وَالزَّيْغِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهِ وفضله، كما قال تبارك وتعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [الواقعة: ٧٧- ٨٠] وقال تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس:
١١- ١٦] ولهذا استنبط العلماء رضي الله عنهم مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ إِنْ صَحَّ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُعَظِّمُونَ الْمَصَاحِفَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْقُرْآنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فَأَهْلُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى، لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِمْ، وَخِطَابُهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أَحَقُّ أَنْ يُقَابِلُوهُ بِالْإِكْرَامِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالِانْقِيَادِ له بالقبول والتسليم، لقوله تَعَالَى:
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.
وقوله عز وجل: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ مَعْنَاهَا أَتَحْسَبُونَ أَنْ نَصْفَحَ عَنْكُمْ فَلَا نُعَذِّبَكُمْ وَلَمْ تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وأبو صالح ومجاهد والسدي واختاره ابن جرير «١»، وقال
(١) تفسير الطبري ١١/ ١٦٧.