هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَلَا كُلِّفُوا بِهِمْ؟ فَلِمَ اشْتَغَلُوا بِهِمْ وَجَعَلُوهُمْ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٨- ١١١] وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا فَالْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا ضَحِكَ بِهِمْ أُولَئِكَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ أَيْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ زَعَمَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ ضَالُّونَ لَيْسُوا بِضَالِّينَ بَلْ هُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ يَنْظُرُونَ إلى ربهم في دار كرامته. وقوله تعالى: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ أَيْ هَلْ جُوزِيَ الْكُفَّارُ عَلَى مَا كَانُوا يُقَابِلُونَ به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أَمْ لَا، يَعْنِي قَدْ جُوزُوا أَوْفَرَ الْجَزَاءِ وأتمه وأكمله. آخر تفسير سورة المطففين، ولله الحمد والمنة.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ الِانْشِقَاقِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ بِهِمْ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سَجَدَ فِيهَا «١»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ، فَقُلْتُ له. فقال: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ مُعْتَمِرٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ طِرْخَانَ التَّيْمِيِّ به، وقد رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، زَادَ النَّسَائِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [الأعلى: ١].

(١) أخرج حديث السجود. البخاري في الأذان باب ١٠٠، ١٠١، وسجود القرآن باب ٧، ١١، وتفسير سورة ٨٤ في الترجمة، ومسلم في المساجد حديث ١٠٧- ١١١، وأبو داود في السجود باب ٤، والترمذي في الجمعة باب ٥٠، والنسائي في الافتتاح باب ٥١، ٥٢، ٥٣، وابن ماجة في الإقامة باب ٧١، ومالك في القرآن حديث ١٢.


الصفحة التالية
Icon